لم تعد هناك أي ثقة في جماعة الإخوان المسلمين، ولا في حزبها الحرية والعدالة ولا في رئيس الجمهورية الذي جاء منها محمد مرسي. ربما كانت الجماعة وحزبها سبباً رئيسياً في انعدام تلك الثقة. ظهر ذلك في مواقف عديدة، وأخيراً مع إعلان اسم رئيس الحكومة الجديد، هشام قنديل. وتجدد الحديث في الشارع وفي بعض من البرامج الحوارية، وبين عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عن مؤامرة إخوانية، في شخص رئيس الحكومة المكلف، ولا سيما أنه شخص يبدو غامضاً لا يعرف عنه أحد الكثير، وكان اختياره مفاجئاً لكل المراقبين للأوضاع في مصر.
ملامح المؤامرة، كما يراها أصحاب تلك النظرية، أن الحكمة من هذا الاختيار أن يكون خيرت الشاطر، المرشح الرئاسي السابق لرئاسة الجمهورية، هو الرئيس الفعلي للحكومة، بينما قنديل هو من في الواجهة. ويسعى الشاطر حسب هؤلاء إلى السيطرة على الملفات المهمة في الحكومة الجديدة من خلال مشاركته في اختيار وزراء بعينهم. تلك السيطرة للشاطر كادت تكون شرعية بعدما بثت أخبار منذ أول من أمس عن تعيينه نائباً لرئيس الوزراء. إلا أنه مع انتشار الشائعة وكثرة الانتقادات، خرج رئيس الحكومة المكلف لينفي الخبر، وقال على فضائية «سي بي سي» إن ترشيح خيرت الشاطر لمنصب نائب رئيس الوزراء لا أساس له من الصحة، ورفض أن يحدد موعداً محدداً لتشكيل حكومته. وقال: «أبذل قصار جهدي لتشكيل الحكومة الجديدة، ومن الصعب تحديد وقت محدد لإعلانها».
ربما لحية رئيس الحكومة الجديد هي سبب الأزمة التي تطل برأسها حالياً، لكن سيطرة الشاطر على قنديل لا تخرج عن كونها مجرد تكهنات حتى الآن. وفي تصريحات سابقة لقنديل نفى كونه عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه لم ينكر في ذات الوقت أنه يميل نحو أفكارهم، وكان يحضر دروساً دينية لهم عندما كان في تونس، لكنه لم ينتم إليهم. إلا أن أصحاب نظرية المؤامرة يتحدثون عن أن قنديل واحد من الخلايا النائمة في جماعة الإخوان المسلمين، وأنه عضو منظم بالفعل في الجماعة، وفيما ينفي قنديل وعدد من القربين منه ذلك، يتهمه البعض الآخر بالخداع.
وقال النائب السابق في البرلمان، والمقرب من المجلس العسكري، مصطفي بكري، إن قنديل ليس شخصية وطنية وله توجه إخواني من الأساس ويخدم تطلعات وأهداف جماعة الإخوان ومكتب الإرشاد وأقرب إليهم من الأسماء التي طُرحت خلال الأيام الماضية.
وأعرب بكري، في تصريحات لجريدة «الوفد»، عن اعتقاده بأن اختيار مرسي لقنديل جاء بعد موافقة مكتب الإرشاد عليه. وقال: «أعتقد أنه سيكون واجهة ودوبلير لإدارة خيرت الشاطر للحكومة المقبلة».
وتتزامن التخوفات من قنديل مع تنامي الحديث عن أن الشاطر يواصل تحركاته للسيطرة على الملفات المهمة. ويتحدث منشقون عن جماعة الإخوان عن أن الشاطر زرع عدداً من التابعين له بجوار رئيس الجمهورية محمد مرسي، وأن الرئيس يعتمد عليهم، ويستشيرهم في أغلب الأمور. ويتحدث البعض عن أن الشاطر هو من كان يموّل الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية، وبالتالي كان له رأي في اختيار رئيس الحكومة الجديد.
يأتي هذا في الوقت الذي تنفي فيه جماعة الإخوان المسلمين كل هذا الحديث. وأكد عضو في مكتب الإرشاد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار» أن اختيار رئيس الحكومة حصل بعيداً عن جماعة الإخوان المسلمين وأن المفاوضات مع الحزب والجماعة كانت عن نسبة جماعة الإخوان المسلمين في الحكومة الجديدة.
من جهته، شدد القيادي في حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، أن تكليف هشام قنديل رئاسة الحكومة مفاجأة للذين فرضوا أسماءً أخرى على الرئيس، في وقت لم يكشف فيه إن كان الأمر مفاجئاً له أو أنه كان على علم بالخبر قبل أن يعلن، ولا سيما أن العريان واحد من الذين قابلهم رئيس الجمهورية في الفترة الأخيرة.
اتجاه آخر من نظرية المؤامرة يرى أن الرئيس اختار قنديل ويتمنى له الفشل، حتى يأتي برئيس حكومة من حزب الحرية والعدالة، وليكون مرسي قد أوفى بعهده وجاء برئيس ليس إخوانياً منظماً، لكنه فشل وبالتالي يأتي في المرة الثانية برئيس الوزراء الذي يريده من داخل الجماعة.
في النهاية، كل هذه الروايات ما هي إلا تكهنات وحديث عن مؤامرات لا معلومات واضحة فيه، ربما لأن الرئيس نفسه تعمد تغييب تلك المعلومات، ولا يريد أن يكشف عن حقيقة دور جماعة الإخوان المسلمين في الرئاسة، ولا في الحكومة الجديدة، وخصوصاً أعضاء من الجماعة لا يزالون يتعاملون مع مرسي باعتباره رئيس حزب الحرية والعدالة، ويصرّحون بأمور كثيرة هي في الأساس من اختصاص رئاسة الجمهورية.