الجزائر | أثار انسحاب المهندس عمار غول، الوزير الجزائري للأشغال العمومية، عن قيادة حركة «مجتمع السلم» الجزائرية، الإخوان المسلمين، اضطرباً كبيراً في صفوف التيار الإسلامي عموماً و«حلف الجزائر الخضراء» خصوصاً. وعبر كثير منهم عن الاستياء من هذا التصرف باعتباره يحدث شرخاً في الصف الإسلامي الهش أصلاً، واعتبره آخرون «طعنة في الظهر» كونه جاء مفاجئاً وفي وقت يفترض فيه أن تجتمع كل القوى لاعادة ترميم التيار بعد خيبة الانتخابات الأخيرة. الضربة موجعة لأن عمار غول هو أهم شخصيات التيار وأكثرها شعبية في المدة الأخيرة. وهو أكثر الإسلاميين نشاطاً في حملة الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من أيار الماضي. كما أنه من أنجح الوزراء الإسلاميين على الاطلاق، خلال 17 عاماً من مشاركتهم في الحكومة. فقد أشرف على انجاز الطريق السريع شرق ــ غرب، الذي يربط الحدود المغربية بالتونسية، على مسافة تزيد على 1200 كيلومتر. وهو قائد العمليات الكبرى لاصلاح البنية التحتية وتحديثها في قطاع الأشغال العمومية. هذا المسار جعل منه شخصية مميزة وسحب الشعبية من كل زعامات التيار الإسلامي، حتى إنه رشّح لقيادة حكومة ما بعد الانتخابات رغم خسارة تياره. وكان عمار غول قد قاد قبل الانتخابات معركة ضد مجلس شورى الحركة. وتزعم تياراً قوياً أبقى على الوزراء الإسلاميين في الحكومة رغم انسحاب الحركة من «الحلف الرئاسي»، الذي كان يجمعها بجبهة التحرير والتجمع الديموقراطي. ووجه انتقادات لاذعة لطريقة عمل الإسلاميين، واتهمهم بجهل المجتمع وتوجهات الشعب. وهو ممن دعوا إلى تصحيح المسار بدل اتهام الآخرين بالتسبب في خسارة الانتخابات. ويستعد عمار غول لإعلان تأسيس حزب جديد منفتح على كل قوى المجتمع ولا ينتسب للتيار الاسلامي. وهذا الأمر زاد من غضب القيادات التقليدية، لكنه بالمقابل سحب إلى صفه عدداً كبيراً من الكوادر الوسطى والقواعد ممن يرون أن التيار فشل في اقناع الناس بجدوى اختياره لقيادة البلاد بسبب عاملين، أولهما ضعف خطابه وصعوبة تمريره إلى أعماق المجتمع. وثانيهما التلوث بكل مساوئ النظام على اعتبار أن الإسلاميين، وتحديداً حركة مجتمع السلم، التي تخلت عن برنامجها الخاص وجمدته لتندمج في برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وكذا حركة النهضة التي ساندت ترشح بوتفليقة منذ البداية وشاركت في حكومته بوزراء ومستشارين. وتجري اتصالات مكثفة هذه الأيام في كل مناطق الجزائر لتوفير شروط اطلاق الحزب الجديد، على أسس تسمح باستقطاب قوى واسعة من مختلف الشرائح. وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات لجمع اقتراحات الناس حول تسمية الحزب وتوجهاته وعلاقته بالأطر الرسمية. وهذا الانشقاق الرابع الذي يحدث لدى الأحزاب الإسلامية خلال عام، والثاني في حركة «مجتمع السلم» بعد تأسيس وزير الصناعة السابق ونائب رئيس الحركة عبد المجيد مناصرة، حزباً جديداً باسم «حركة التغيير» ينافس حزبه السابق على شرعية تمثيل الاخوان المسلمين في الجزائر. ومني الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية في أيار الماضي بهزيمة غير مسبوقة. وحصلت الأحزاب الثمانية التي شارك مجتمعة على 58 مقعداً من أصل 462 مقعداً جرى التنافس حولها. ورد كثيرون هذه النتيجة إلى الصراعات الداخلية التي أدت إلى تشظي الأحزاب الثلاثة القديمة الى ثمانية أحزاب، تتصارع كلها على وعاء انتخابي واحد ثابت. هذا الوضع شكل عاملاً حاسماً في جعل عمار غول يسلك منحىً مغايراً ويعمل لتأسيس حزب غير إسلامي دعا إليه انصاره حتى من العلمانيين والليبراليين واليساريين.