بشار الأسد لم يسقط بعد، لكن المحللين الاميركيين انكبّوا على وضع سيناريوهات ما بعد رحيله. تلك السيناريوهات التي بنيت على معلومات استخبارية أو «مصادر في الادارة الاميركية»

، أقلّ ما قال عنها كاتبوها إنها «غير مشرقة» و«كارثية» حتى سمّاها البعض «الكوابيس». وبينما كانت المعارضة السورية «الناعمة» تعدّ لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري، مع أبرز صقور اللوبي الاميركي ــ الإسرائيلي وبرعايتهم، في برلين، حدد الصحافيون الاميركيون معضلتهم الحالية وهي أن «الشرق الاوسط لا يمكنه أن يعيش مع الأسد لكن العيش من دونه لن يكون سهلاً». أسباب «الكوابيس» التي تحدّث عنها معظم المحللين الاميركيين كثيرة تبدأ بالنزاعات الطائفية وتمرّ بجهاديي «القاعدة»، وصولاً الى استخدام الأسلحة الكيميائية.
واللافت المستجدّ تسجيل رضى عام عن أداء باراك أوباما حول سوريا، إذ أجمع معظم المحللين على أن «إدارته تعمل بهدوء في الكواليس لكنها واثقة من تحقيق نتيجة مرضية». نشاطات إدارة أوباما «الهادئة» تلك تتضمن عملاً مركّزاً مع المعارضة السورية في الخارج لوضع مخطط «اليوم الذي سيلي» سقوط الأسد، وتنسيقاً استخبارياً رفيع المستوى مع الاجهزة التركية والقطرية والسعودية لكشف الميادين السورية وزيادة تسليح المجموعات المقاتلة.
عن «اليوم التالي» الذي سيلي سقوط الأسد، كتب المحلل دايفد إغناتيوس، في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، داعياً الإدارة الأميركية الى «تحديد ما يمكن فعله الآن في سوريا بدل تعداد ما لا يمكن تحقيقه». سيناريو إغناتيوس حول سوريا ليس وردياً، إذ يشير الصحافي الى أنه «حتى لو سقط الأسد فالمعارك في سوريا ستستمر بعنف». ويضيف «أن مهمة الولايات المتحدة وحلفائها ستكون حينها العمل على التخفيف من الأضرار الجانبية». الصحافي يدعو واشنطن الى الانتقال للعمل الجدّي الفوري بدل كيل الشتائم لروسيا على منابر الامم المتحدة وغيرها. وفي هذا الوقت، يكشف إغناتيوس عن أن «العمل جار لاستكمال «برنامج العمليات السرية» حيث تزوّد السعودية وقطر المعارضة بالمال والسلاح، وتتولى الولايات المتحدة الأمور اللوجستية، وتوفّر كل من تركيا وإسرائيل والاردن والامارات الدعم الاستخباري الميداني». «الأمر المقلق أنه في اليوم الاول الذي سيلي سقوط الأسد ستزداد المعارك عنفاً... وحتى لو لم تكن الولايات المتحدة هي التي دمّرت النظام كما في العراق، الا أنها ستتدخل لا محال في إصلاح الاوضاع في سوريا ما بعد الأسد»، يخلص إغناتيوس.
كوابيس سورية
العراق يظهر مجدداً في التحليلات الاميركية، وهذه المرة حسم الكاتب توماس فريدمان في «ذي نيويرك تايمز» رؤيته: «سوريا هي عراق». فريدمان عرض في مقاله نقاط التشابه العديدة بين العراق وسوريا من حيث النسيج الاجتماعي والتعدد الطائفي وحكم الحزب الواحد. لكن الكاتب قال إنه «لا يدعو الى تدخل أميركي في سوريا على طريقة العراق لإنقاذها»، وذكّر بـ«الدرس الذي تعلمناه في العراق وهو أنه لا يمكننا نقل البلاد من صدام حسين الى سويسرا مباشرة من دون المرور بمرحلة حرب يقاتل فيها الكلّ ضد الكلّ». «تجربة العراق كانت مرة جداً لدرجة أننا لا نريد الحديث عنها مجدداً، لكن نموذج العراق حاضر جداً في المسألة السورية»، يضيف الصحافي.
فريدمان شدد على ضرورة إيجاد «قابلة قانونية خارجية تضمن الانتقال في سوريا بأقلّ الخسائر». لكنه أشار أيضاً الى الصعوبات التي تعوق حلّاً كهذا، «لأنه، في الشرق الاوسط، البديل عن السيئ قد يكون أسوأ»، يشرح فريدمان، ويقول إن «البديل عن ديكتاتورية الأسد قد يكون مثلاً تفكك سوريا». اذاً، يخلص فريدمان الى تحديد سيناريوهين للأزمة السورية: إما أن تتدخل الولايات المتحدة كما فعلت في العراق مع ما سينجم عن ذلك من نزاعات أهلية وحرب طويلة، أو أن على المعارضة السورية المسلحة أن تنفذ المهمة بنفسها، بما أنه «ما من قوة عظمى ومسلحة بشكل كبير تجرؤ على لعب دور القابلة القانونية والدخول في المعركة السورية». فريدمان لا يبدو متفائلاً بـ«حلول» أخرى الا «في حال حصول مفاجأة». والمفاجأة بنظره هي في «أن تتوحد المعارضة السورية، بمساعدة استخبارية تركية سعودية أميركية، فتشكّل جبهة سياسية قوية تنجح في تحويل المسيحيين والعلويين الموالين للأسد الى معارضين له مع ضمان حقوقهم كأقليات». «سيكون أمراً رائعاً لو استطعنا استبدال محور الأسد ـ روسيا ـ إيران ـ حزب الله بسوريا ديموقراطية لا بسوريا الفوضى»، يعلّق فريدمان. «من دون ولّادة خارجية أو نلسون مانديلا سوري، المعارك في سوريا ستطول»، يختم فريدمان. طوني كارون، في مجلة «تايم» الاميركية، يعرض سيناريو من ٥ أجزاء، يرجح حصوله إذا سقط نظام الأسد. حسب كارون، «حمام الدم المذهبي سيزداد عنفاً»، إذ يرى أنه «مهما قدمت التطمينات للأقليات المسيحية والعلوية في سوريا فإن تطبيق ذلك عملياً شبه مستحيل، وخصوصاً أن المقاتلين العلويين المؤيدين للنظام سيستمرون في القتال حتى بعد سقوطه». كارون يحذر من عدم وجود قوة معارضة موحدة الصفوف لديها خطة واحدة وواضحة، ما سيؤدي الى إغراق البلد في الفوضى. وتعليقاً على الجهود السياسية التي تبذلها الادارة الاميركية مع المعارضة في الخارج، يقول كارون إن «ذلك ليس مطمئناً، نظراً لوضع معارضي الخارج ومكانتهم الفعلية في الداخل السوري». «إدارة أوباما تعوّل على حوار ما سيجمع الاطراف المعارضة بعد سقوط الأسد... أخشى أن يكون ذلك الحوار بالرصاص والقنابل»، يعلّق الكاتب.
الجزء الثاني من سيناريو كارون، يدور حول الجهاديين. الصحافي ينقل عن تقارير استخبارية المانية قولها إن «مجموعات جهادية قريبة من «القاعدة» نفذت نحو ٩٠ تفجيراً في سوريا خلال الاشهر الستة الماضية». كارون يوضح أن انفلات الاوضاع بعد رحيل الأسد سيدفع بتلك المجموعات الجهادية الى «ملء الفراغ» وتحريك جبهاتهم بين لبنان والعراق وسوريا.
الجزء الثالث من السيناريو هو «إفلات الاسلحة الكيميائية من السيطرة»، وهنا يرى الصحافي، أن الخشية من استخدام تلك الاسلحة هي أكبر في مرحلة بعد سقوط الأسد إذ يخشى أن تقع في أيدي المجموعات غير المنضبطة.
«الكابوس الرابع» في مقال الـ«تايم» هو انهيار سوريا وتفككها بفعل التنوع الاثني والطائفي الذي تتكوّن منه. أما «الكابوس» الاخير فهو بنظر كارون، «أن ما يحدث في سوريا لن يبقى فيها»، بل «سينتقل الى لبنان والاردن والعراق وتركيا».
منجّد وزيادة وأبرامز وبريمر
سيناريو تفكك سوريا وتقسيمها وخلق دويلة للعلويين، يراه روبرت دريفوس في «ذي نايشن» «من أسوأ السيناريوهات»، مشيراً إلى أنه «فات الأوان لسؤال: كيف وصلنا الى هنا؟» في الأزمة السورية. دريفوس يقول إن إدارة أوباما «تُحيّا لأنها لم تستمع الى المحافظين وتدخل في حرب مباشرة مع سوريا، لكنها تلام على تسليح المجموعات المقاتلة ومن بينها جهاديو القاعدة». «المشكلة الاساسية في ادارة أوباما أنها، منذ بداية الازمة السورية، لم تسع الى حلّ سياسي»، يشير دريفوس. الصحافي يؤكد أن «الايام المقبلة ستثبت أن دور سي آي إي في سوريا كان أكبر بكثير مما أعلنته واشنطن».
من جهتها، حثّت مجلّة المحافظين الجدد «ذي ويكلي ستاندرد» الرئيس الاميركي على «القيام بأمر ما حيال سوريا» ونقلت رسالة وجهها «متخصصون في السياسة الخارجية» أغلبهم من صقور المحافظين الجدد الذين برزوا في عهد جورج والكر بوش. اللافت في لائحة الموقعين على الرسالة تلك ورود اسماء الناشطين السوريين المعارضين عمّار عبد الحميد وأسامة منجّد ورضوان زيادة الى جانب إليوت إبرامز وبول بريمر وكارل روف.



نكسة للـCIA؟

الصحافي كين ديناليان في «ذي لوس أنجلس تايمز» كتب عن «النكسة التي لحقت بالولايات المتحدة الاميركية في الازمة السورية بسبب النقص في عملها الاستخباري». ديناليان لفت الى أن عدم وجود الـ «سي آي إي» في سوريا وإغلاق السفارة الاميركية في دمشق في عزّ الاحداث، أديا الى إحداث خلل في العمل الاستخباري الاميركي في البلد «إذ إن الادارة الاميركية ما زالت تواجه معضلة في رصد المجموعات المعارضة المقاتلة بعد ١٦ شهراً من بداية المعارك». «يجب أن نكون على الأراضي السورية نعطي الأموال للمعارضين الذين سنحتاج إليهم من أجل تحقيق مصالحنا»، ينقل ديناليان عن أحد مسؤولي «سي آي إي» السابقين. لكن مصادر في إدارة أوباما أكدت للصحيفة أنهم «يعرفون الآن عن المعارضة السورية أكثر من الاشهر الفائتة، وأن ذلك يتحقق بفضل تكثيف الجهود الدبلوماسية ومن خلال طرق اخرى لا نستطيع الافصاح عنها». الصحافي نقل أيضاً الانتقادات التي طالت «سي آي إي» بأنها تصرّفت ببطء شديد طوال الازمة السورية وأنها خشيت أن تعرّض عناصرها لخطر الموت أو الخطف.