الرياض ــ الأخبار الحراك الاحتجاجي وتصدّي السلطات له لم يقتصرا على منطقة القطيف في المنطقة الشرقية السعودية، ويبدو من تسارع الأحداث الأخيرة أنّه آخذ بالتمدد الى مناطق أخرى بينها العاصمة. احتجاجات ترفع مطالب مختلفة، لكن القاسم المشترك بينها أنها ترتبط بحرية إبداء الرأي، إضافة الى أن السلطات تتصدّى لها بالقمع والاعتقال، وإن بنسب متفاوتة.
وتأخذ هذه الاحتجاجات قوة دفعها من مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الى الإدلاء بتصريحات صحفية قبل أيام تقول إن هذه المواقع تحريضية، وتنشر الأكاذيب وتدعو إلى الفتنة والفوضى.
وفي القطيف، فرّقت القوات الأمنية آلاف المتظاهرين، الذين ساروا في مسيرة ليلة أول من أمس، من أجل المطالبة بإطلاق سراح رجل الدين البارز نمر النمر. فأطلقت الرصاص الحي، إضافة الى الغاز المسيل للدموع، وهو ما أدى الى وقوع عدد من الإصابات في صفوف المتظاهرين، كما عمدت قوات الأمن الى اعتقال عدد منهم، بينهم معارض بارز يدعى محمد الشاخوري، وهو على قائمة المطلوبين لدى السلطات. وذكر شهود أنّ الشاخوري أُصيب بالرصاص في الظهر والعنق، ثم نقل الى مستشفى عسكري قرب الظهران.
وانطلقت المسيرة من شارع الثورة بالقرب من مقبرة الدبابية في التاسعة والنصف مساءً، واختتمت فعالياتها في شارع الإمام علي. وقال شهود إن قوات الأمن تدخلت لتفريق تجمع في شارع القدس وسط المدينة. وأشارت مصادر الى أنّ وصول الاحتجاجات الى شارع القدس، هو الذي دفع قوات الأمن الى التصدّي لها بهذا الحزم، لأنّ النظام يعدّه «تحدياً غير مسبوق». وبحسب مصادر قريبة من الاحتجاجات، فإن قوات الأمن اعتقلت العشرات «وبينهم 7 أطفال».
وبحسب رواية وزارة الداخلية، فإن «قوات الأمن اضطرت الى مواجهة متظاهرين يحرقون اطارات في بعض مناطق القطيف، وإن عدداً منهم اعتقل بينهم محمد الشاخوري المدرج اسمه على قائمة من 23 شخصاً مطلوبين من السلطات». وعلى عكس ما أكّد شهود عيان ومصادر متعدّدة على مواقع التواصل الاجتماعي، وما أظهرته بعض التسجيلات المصورة بوقوع جرحى، فإنّ وكالة الأنباء السعودية أفادت أنه لم يصب أحد بجروح خلال هذه العمليات.
وقال المتحدث الأمني بوزارة الداخلية اللواء منصور التركي، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية، إن «عدداً من مثيري الشغب قاموا بإشعال وإحراق إطارات سيارات بعد منتصف ليلة يوم الجمعة، وذلك في عدة مواقع بمحافظة القطيف شرق المملكة». وأضاف إن «دوريات الأمن باشرت كافة الحالات، والسيطرة على الوضع والقبض على عدد من المتورطين في ذلك، ومن بينهم المطلوب للجهات الأمنية (محمد كاظم جعفر الشاخوري)، الذي سبق الإعلان عن اسمه ضمن قائمة ثلاثة وعشرين مطلوباً». وأكد أنه «لم ينتج عن ذلك أية إصابات».
بعيداً عن القطيف، شهدت بعض مناطق المملكة احتجاجات سيارة للمطالبة بالإفراج عن معتقلي رأي. وذكرت أنباء أن مسيرة سيارة انطلقت في الرياض «تضامناً مع معتقلي الرأي من الإسلاميين»، وأن مدينتي بريدة وجدة شهدتا مسيرات أخرى تطالب أيضاً بالإفراج عن سجناء الرأي.
في غضون ذلك، نقلت عدّة مصادر على حساباتها على موقع «تويتر» أن السلطات تنوي اعتقال عدد من المعارضين الليبراليين وبينهم امرأتان، وذلك على خلفية «الاعترافات» التي أدلى بها أحد مؤسسي الحركة الليبرالية، رائف البدوي، الذي صدر حكم بالسجن بحقه لمدة 5 سنوات بالإضافة إلى غرامة بقيمة 3 ملايين ريال، قبل نحو أسبوع، وذلك بتهمة التطاول على الذات الإلهية وعقوق الوالد.
واتهم رائف بدوي بتأسيس موقع إلكتروني وارتكاب «مخالفات شرعية والتطاول على الذات الإلهية، والتهجم على التعاليم والرموز الدينية» من خلاله. وبدوي من المؤسسين للحركة الليبرالية مع سعاد الشمري وآخرين، لكن الأخيرة نفت لـ «الأخبار» أنباء حملة الاعتقالات. وقالت إن هذا الأمر «غير صحيح، وهذه شائعات من التيار السلفي المتشدد من أجل التأثير على سير القضية»، في إشارة إلى قضية بدوي.
في المقابل، أفرجت السلطات مؤقتاً، أول من أمس، عن المدرس خالد الجهني، الذي اعتقل قبل سنة بسبب تواجده في موقع تظاهرة «يوم غضب» في الرياض، التي دعا إليها شباب عبر الإنترنت من أجل المطالبة بالإصلاحات، لكنها لم تحصل بسبب الإجراءات الأمنية المكثفة، كما يتهم بالإدلاء بتصريحات مسيئة للمملكة الى وسائل الإعلام. وكانت منظمة العفو الدولية قد ذكرت أن «الجهني ربما كان المحتج الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى الموقع، وجرى اعتقاله خلال دقائق بعدما أدلى بتصريح لهيئة الإذاعة البريطانية عن انعدام الحريات في السعودية». ويلقب الجهني بـ «أشجع رجل في السعودية». وأُطلق سراحه 48 ساعة، على أن يبقى تحت المراقبة، وتستمر محاكمته أمام محكمة أمن الدولة. وعلى الأرجح أنه لن يعتقل مجدداً بعد انقضاء الـ48 ساعة.
وفي موازاة هذه الأحداث، انتقد الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز الأطروحات التي تتحدث عن فشل الديموقراطية في الدول العربية. وقال، في تغريدات على «تويتر»، إن «المستقبل ينتظر الدول التي نجحت فيها الثورات العربية بعد مرور أكثر من عام على تغيير أنظمة الحكم فيها». وأشار إلى «ضرورة أن تتبع الدول العربية المبدأ الإسلامي الذي يرعى حقوق الإنسان ويحفظ حقوق المواطنين ويمكّنهم من المشاركة في الرأي والقرار»، مضيفاً أن «الدول الديكتاتورية لن يكون لها مكان في المستقبل». ورفض الأمير طلال بعض «الأطروحات التي ترى فشل الديموقراطية في الدول العربية»، مستغرباً «الوصول إلى هذا الحكم المطلق دون ذكر وقائع عن البلد الذي جرى تطبيق الديموقراطية فيه بشكل عشوائي أو غير صحيح».