غزة | انتفاضة ثالثة، هبّة جماهيرية. مهما اختلف الفلسطينيون في تسمية ما يجري في الضفة المحتلة، فإن الصحافيين كانوا أول من سارع إلى التغطية المكثفة لهذا الحدث، فوقعوا تحت الإرهاب الإسرائيلي ويد الاعتداء.
وكعادتها في طمس الحقائق وقلبها، تسعى إسرائيل حالياً إلى إخفاء ما يجري في الضفة عبر استهدافها المتعمد للصحافيين خلال تغطيتهم الإعلامية، لكن ما تغير هذه المرة هو التطور التكنولوجي ووجود الهواتف الذكية في يد الجميع، وهو ما جعل من كل مواطن ينقل الحقائق بالصوت والصورة.
هذه الميزة استغلها الفلسطينيون بطريقة واعية في رصد الانتهاكات والقتل والقنص المتعمد من جيش العدو على المواطنين والصحافيين على حد سواء. وهو في المقابل ما دفع جنود العدو إلى استهداف الصحافيين، مباشرة.
في الشق المحاصر من الوطن، غزة، لم يغب الصحافيون عن مهداف الاحتلال، برغم أن المواجهات بين الشبان والجنود تجري عن بعد بسبب السياج الحدودي. أصيب عدد من الصحافيين والمصورين خلال الأسابيع الماضية، منهم متين كايا، وهو مصور وكالة «الأناضول» التركية. كايا، التركي الأصل، كان في مهمة صحافية على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي المحتلة لتغطية المواجهات مع جنود العدو بالقرب من موقع «ناحال عوز» العسكري شرقي القطاع.
وكغيره من الصحافيين، التزم كايا معايير السلامة الأمنية المفروضة، فارتدى درعه الواقية وخوذته، وحمل سلاحه... الكاميرا. بعد وصوله إلى منطقة المواجهات، بدأت قوات الاحتلال إطلاق الرصاص الحي بكثافة على الشبان. احتمى متين خلف تلة رملية لخمس دقائق، وجهز كاميراته لالتقاط صور الشبان وهم يتعرضون لإطلاق النار. وفجأة سقط بالقرب من كايا أحد الشهداء، وقبل أن يضغط على زر التصوير، أطلق قناص إسرائيلي النار عليه فأصابه في يده التي يحمل الكاميرا بها.
يقول متين: «كان واضحاً جداً للجيش أنني صحافي، لكن من المؤكد أنه كان يستعد لإصابتي، فأنا لم أشعر إلا بانفجار وارتميت جانباً وشعرت بخدر في يدي. نظرت إليها وكانت الدماء تغطيها والكاميرات سقطت بعيده عني، حتى أتى بعض الشبان ونقلوني إلى سيارة الإسعاف». ويضيف: «أصبت في يدي وتعطلت كاميراتي وكان من الممكن أن تصيب الرصاصة رأسي، لأن كاميرتي كانت قريبة جداً من رأسي».
أما الصحافي إبراهيم أبو شعر، فأصيب كما آخرون من زملائه بالاختناق. يقول: «كنت مع طاقمي في تغطية مباشرة عندما أطلق علينا قنابل غاز خانقة مباشرةً، لم استطع التنفس، ولا أزال حتى الآن أعاني مشكلات في التنفس بسبب بعض القنابل الحارقة».
وزارة الصحة في غزة قالت إن الإصابات التي وصلت إلى مستشفيات القطاع، تظهر أن «قوات الاحتلال تستهدف الصحافيين بصورة متعمدة وبإطلاق الرصاص الحي عليهم على منطقتي اليد والرجل، أو بإطلاق قنابل الغاز مباشرة نحو الجسد». ويوضح المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أن جنود العدو استخدموا كذلك «الرصاص المطاطي الذي ينفجر بعد دخوله الجسم، ما يؤدي إلى تهتك العظم، وهو ما أصاب الصحافي طارق مسعود الذي أصيب بقدمه وأدى الأمر إلى تهتك عظم الفخذ». ولفت إلى استخدام العدو «الغاز وهو ليس مسيلاً للدموع فحسب، بل خانق أيضاً وقد أطلقه جنود العدو مباشرة على الجسد، ما أدى إلى رضوض وأحياناً إلى كسور في العظم، فضلاً عن الحروق».
وبمراجعة «مركز الميزان لحقوق الإنسان»، فإنه يرى أن وحشية جيش الاحتلال في محاربة الصحافيين أمر معتاد بالنسبة إلى جيش قتل عشرات الصحافيين خلال حروب غزة الأخيرة. ويقول المتخصص في مجال حقوق الإنسان، سمير زقوت، إن المركز «رصد كل الانتهاكات بحق الصحافيين، خصوصاً أن المواثيق الدولية تتيح للصحافي حرية العمل، لكن جيش الاحتلال أثبت مجدداً أنه انتهك المعايير المهنية والأخلاقية باستهدافهم مباشرة أو باعتقالهم وتكسير معداتهم وضربهم كما يحدث في الضفة». كذلك تحاول مؤسسات حقوقية في غزة بالتعاون مع مؤسسات أخرى في الضفة رصد الانتهاكات اليومية بحق الصحافيين، لرفع ملف كامل إلى «المنظمة الدولية لحقوق الإنسان».
في الوقت نفسه، قالت «نقابة الصحافيين» في غزة، إنها بصدد تسليم ملف كامل إلى «محكمة الجنايات الدولية» حول الاستهداف المتعمد للصحافيين، في الوقت الذي يلتزم فيه الصحافيون معايير السلامة ويرتدون ما يؤكد هويتهم.
وأكد نقيب الصحافيين، تحسين الأسطل، أن هناك «ما يقارب ١٦ إصابة خلال المواجهات الأخيرة بالرصاص الحي، بالإضافة إلى عشرات الإصابات بالغاز الخانق، فيما يرتفع عدد الإصابات في الضفة بسبب اختلاف طبيعة المواجهات». وقال الأسطل: «توجد تغطية مباشرة على الهواء لاستهداف القناصة الإسرائيليين الصحافيين مباشرة، وبناءً عليه، نحن بصدد رفع ملف كامل ومفصل بالاستهدافات مدعوماً بشهادات من الصحافيين الذين أصيبوا».