إسطنبول | خلافاً لمعظم العواصم الغربية، بل وحتى الخليجية، كان الصوت التركي مدوياً طوال اليومين الماضيين. لم تمرّ مناسبة إلا تحدث خلالها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، عن «مجازر» حلب، ودعَوَا المجتمع الدولي إلى التدخل فوراً لمنع المزيد منها في هذه المدينة التي تبعد عن الحدود مع تركيا نحو 70 كيلومتراً. كذلك استعجل وزير الخارجية في استقبال العميد السوري المنشق، مناف طلاس، الخميس، لإعطاء إشارة عاجلة للمقاتلين في حلب، من دون أن يدري ما يُقال عن طلاس في أوساط المعارضة السورية، بل وحتى العواصم الخليجية التي تعرفه جيداً. وجاءت أخبار وكالة «رويترز» عن قاعدة خاصة قرب مدينة أضنة جنوب تركيا، حيث قاعدة «أنجيرليك» الأميركية لإدارة الحرب في حلب بإشراف ضباط أتراك وسعوديين وقطريين، لتعكس أسباب الغضب، بل وحتى القلق التركي من أحداث حلب. أنقرة، منذ بداية الأحداث في سوريا، راهنت على حلب وتوقعت لها أن تكون بنغازي ثانية، حتى يتسنى لها أن تعلن شمال حلب منطقة للحظر الجوي. وتستطيع من خلالها إسقاط النظام في دمشق انطلاقاً من حلب والمناطق المجاورة لها، بعدما تحدثت أكثر من مرة خلال المرحلة الماضية عن حزام أمني أو منطقة عازلة داخل الأراضي السورية.
وهذا ما يفسر الدعم المطلق منذ البداية للجماعات المسلحة التابعة للجيش الحر عبر الحدود التركية ـــ السورية حتى تسيطر على أعزاز وإدلب وعبرها حماة وحمص لتضييق الحصار على حلب ودمشق معاً. ونجحت الخطة في البداية، حيث استطاعت الجماعات المسلحة بفضل الدعم العسكري واللوجستي والمادي الكبير جداً، تحقيق تفوق نسبي في هاتين المدينتين المذكورتين، وبفضل الدعم المباشر من مخيمات الجيش الحر في مدينة أنطاكيا. وتحدثت صحيفة «نيويورك تايمز»، ومعها صحف بريطانية وفرنسية، عن وجود المئات من عملاء الاستخبارات الأميركية والبريطانية في هذه المنطقة، وذلك لتدريب المقاتلين العرب الذين يأتون إلى المنطقة من الدول العربية ودفعهم إلى الداخل السوري بحماية تركية. ويعرف الجميع مدى أهمية تركيا بالنسبة إلى المقاتلين في صفوف الجماعات المسلحة، باعتبارها الدولة السنية الأكبر والمعادية لإيران الشيعية، وعلى الأقل حسب قناعات هؤلاء المسلحين الذين يرون في الموقف التركي قوة معنوية ونفسية أيضاً، لما كان لأردوغان من علاقات شخصية مميزة مع الرئيس بشار الأسد، وتخلى عنها «من أجلهم وأجل سوريا الجديدة بقيادة الإخوان المسلمين». وهو ما يفسر أن جميع المقاتلين في صفوف الجيش الحر هم من أصحاب الميول الإسلامية السنية، وأحياناً متطرفة. يضاف إلى ذلك، أن موقع تركيا الجغرافي وحدودها مع سوريا وهي بطول 900 كيلومتر وعلاقاتها الاستراتيجية مع أميركا والحلف الأطلسي، كان أيضاً دافعاً معنوياً للمقاتلين في صفوف الجيش الحر، ولا سيما أن أنقرة استضافت منذ الأيام الأولى جميع مخيمات الجيش الحر والمجلس الوطني السوري المعارض وكل تحركات أعضاء هذا المجلس، ظناً منها أنها ستكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا بعد سقوط الأسد. وكلما تأخر هذا السقوط ازداد غضب أردوغان ووزير خارجيته لأنهما راهنا، وربما اعتمدا على معلومات القيادات القطرية والسعودية، التي كذبت عليهما بشأن سقوط النظام السوري خلال فترة أقصاها 3 أشهر. وكلما طالت هذه الأشهر، زادت عصبية أنقرة التي راهنت على سقوط حلب خلال هذا الشهر. وهو إن لم يتحقق، فلن يكون سهلاً على أحد الرهان بعد الآن على مواقف أردوغان وداوود أوغلو. ولن يبقى لديهما ما سيقولانه أولاً للجماعات المسلحة التي اعتمدت كثيراً على الوعود التركية، وثانياً للرأي العام التركي بعد مضايقات أحزاب المعارضة لهما واتهامهما بالتآمر مع أميركا وقطر والسعودية ضد سوريا والمنطقة عموماً. فالجميع يعرف أن أردوغان وداوود أوغلو لن يتراجعا ولن يقبلا بخطئهما وهزيمتهما مهما كلف ذلك حكومة «العدالة والتنمية» خصوصاً، وتركيا عموماً. وهو ما يفسر الضجة التركية الرسمية والإعلامية على سيطرة الأكراد على المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، باعتبار أن ذلك هو الأخطر بالنسبة إلى حسابات الدولة التركية وطنياً وقومياً وإقليمياً.
ضمن هذا السياق، جاء تأكيد وزير الخارجية التركي، أمس، أن بلاده «لن تسمح بتمركز خلايا إرهابية قرب حدودنا». وأضاف: «ليس مهماً إن تعلق الأمر بالقاعدة أو حزب العمال الكردستاني. نحن نرى أن الأمر يتعلق بقضية أمن وطني ونحتفظ لأنفسنا بالحق في اتخاذ كافة الإجراءات»، من دون مزيد من التوضيح.
وقلل داوود أوغلو من أهمية اتهام رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للنظام السوري بأنه «عهد» بخمس مناطق في شمال سوريا لحزب العمال الكردستاني أو حزب الاتحاد الديموقراطي الحليف لسوريا، مؤكداً أن تركيا لن تتردد في استخدام القوة عند الحاجة. لكنه لفت إلى أن هذه المنطقة لم تصبح بالكامل تحت سيطرة الثوار الأكراد، بقوله: «هذا ليس صحيحاً»، مع اقراره بأنه «لا يمكنه القول إنه لا توجد مخاطر». وأكد «أنه حتى لو كان الخطر بنسبة 1 في المئة، فإننا نأخذه على محمل الجد».