الجزائر | «اخترت الجزائر مقصداً للاحتماء من غضب الزمن. هؤلاء الذين تعجّ بهم هذه الساحة كلهم هربوا من رحى تطحن الأخضر واليابس في مدن سوريا وأريافها على السواء. اسأل أياً منهم يقل لك: أن أجوع خير من أن أموت». هذا كلام أحمد، اللاجئ السوري، الذي دخل الجزائر للمرة الأولى في حياته قبل نحو أسبوعين. التقيناه في ساحة بورسعيد، وعلى مقربة منه يلهو ابنه إسماعيل (5 سنوات)، من دون أن يشعر بهول ما حدث لعائلته التي تركت الأهل وكل ما تملك في دمشق وشقت السماء إلى بلد على بعد آلاف الكيلومترات للنجاة بجلدها. ومثل أبو إسماعيل، مئات من الرجال السوريين تقاطروا على مدن الجزائر خلال الأشهر الأخيرة، ولا سيما بعد استعار الوضع في حمص ودخول حلب ودمشق ضمن ساحة العمليات. في العاصمة الجزائرية، كما في مدن أخرى مثل وهران وتيارت وعنابة وقسنطينة وسطيف، حطّ هؤلاء أملاً في إيجاد مأوى مؤقت إلى حين استتباب الأمور في بلدهم. وجد مئات، وربما آلاف منهم، الحل عند أقارب من سوريين مقيمين أو جزائريين من الأصهار والأصحاب، فيما لجأ كثيرون إلى الفنادق الشعبية والتحقت أعداد كبيرة بالساحات العمومية والحدائق تقضي بها أيامها قبل أن تجد السلطات الجزائرية لها حلاً.
تدخل بعض المحسنين، واستأجروا غرفاً في الفنادق لبعض العائلات. وصحيح أن عملية التضامن سارية، لكن ببطء شديد. فالآلاف لا يزالون في العراء. وتزور أماكن وجود اللاجئين منظمات حقوقية وإنسانية جزائرية للوقوف على حالة الوافدين.
وقال عبد الرحمن عرعار، رئيس شبكة «ندى» للدفاع عن حقوق الطفل: «خلال زيارتنا الميدانية للتواصل مع اللاجئين في اليومين الماضيين، لاحظنا أن أطفالاً ونساءً وشيوخاً يعيشون فقراً ومعاناة، ونحن بصدد اتخاذ الخطوات اللازمة لرعايتهم والتكفل بهم جميعاً بأسرع وقت». وكشف عن اتصالات مع ممثلي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، للاتفاق على محاور التدخل وإنهاء هذه المعاناة.
وحين يقترب موعد الإفطار، تهبّ العائلات الجزائرية محملة الطعام والماء البارد وأنواعاً من المشروبات والحلويات إلى الساحات التي يتجمع فيها اللاجئون لإطعامهم، وتنقل منظمات اجتماعية وجبات من «مطاعم الرحمة». ويوفر مواطنون ممن لا تسمح ظروفهم بإيواء عائلة، الفراش والغطاء، فالزمن صيف ويمكن المبيت في العراء، وخاصة بالنسبة إلى الرجال.
أحمد وعادل ويوسف وآخرون يجلسون لساعات على المقاعد الخشبية في ساحة «بورسعيد» على أمتار من مقري غرفتي البرلمان وكبريات البنوك ومحطة القطار وقاعة الأوبرا الكبرى وقبالة الميناء، يحكون همومهم ويلتف حولهم أحياناً جزائريون من مختلف الأعمار للحديث بشأن سوريا وأيضاً للتعريف بمدينة الجزائر. أحياناً تكون أسئلة الجزائريين مزعجة، فهم يريدون أن يفهموا التفاصيل بشأن الصراع في سوريا، لكن الجواب غير متاح دائماً. فكثير من السوريين يخشون أن يلحقهم الأذى حتى وهم على أرض الجزائر، ولذلك فإن معظم ردودهم عمومية تتحدث عن قسوة الحياة في ظل الحرب. وحتى حين يذهب أحدهم بعيداً في تفصيل الأمور، يصحح آخر ويعيد الحديث إلى أجواء الحسرة والأسى من دون تحديد المذنب في الذي يجري.
أما الشارع الجزائري، فمنقسم بخصوص الحرب الدائرة في سوريا. منهم من يحمّل الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه المسؤولية، لكون الانتفاضة بدأت سلمية وزاهية الألوان والشعارات، تطالب فقط بممارسة حق الحريات الفردية والجماعية، فجرى قمعها لتكبر ككرة الثلج ويتغير لونها من الأبيض إلى الأحمر. في المقابل، ثمة من يرى أن الذي يجري في سوريا جزء مما يجري عربياً. وهو طبعة جديدة من «سايكس بيكو»، لا فيه حرية ولا ديموقراطية، بل فيه تبعية واستعباد. طرح هذه الأمور بشقيها في ساحة بورسعيد وساحات المدن الجزائرية الأخرى، نادراً ما يجد له أجوبة وردود فعل.
وكانت تقارير إعلامية قد أشارت بداية الأسبوع إلى أن عدد الهاربين من سوريا إلى الجزائر يراوح بين 20 و 25 ألف لاجئ، معظمهم أطفال ونساء وعجائز، لكن الرقم غير مؤكد، وقد يزيد أو ينقص. فالسلطات الجزائرية، لم تعط حتى الآن أي استبيان بهذا الشأن. وحتى حين تبحث عن مسؤول يعطيك معلومات، تجده لا يدري ما يقول لانعدام وجود جرد شامل، وملف دقيق يُتابَع عن كثب. ويرشح المتابعون العدد للارتفاع بسرعة، نظراً إلى استعار الوضع في الميدان واتساع نطاقه بكامل مناطق سوريا من جهة ولسهولة الدخول إلى الجزائر، على اعتبار أن التنقل بين البلدين لا يحتاج إلى تأشيرة. مع ذلك، برزت مخاوف من تطبيق السلطات الجزائرية الاتفاقيات بين البلدين، التي تسمح للسوريين بدخول الجزائر متى شاؤوا على أن لا تزيد الإقامة على ثلاثة أشهر. إلا أن مصدراً قريباً من وزارة الداخلية، أعلن أن السلطات قررت «الاهتمام بالسوريين الذين لجأوا إلى الجزائر».
وتدرس الجزائر إمكانية السماح للسوريين بالإقامة موقتاً في وسط العاصمة وإحدى ضواحيها الشرقية ومدارس شاغرة بسبب العطلة الصيفية.