جاء أول اختيارات الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء المُكلف من الرئيس محمد مرسي تأليف الحكومة، ليشعل التراشق المبكر حول اختيار الوزراء. اختيار قنديل وقع على الدكتور محمد يسري إبراهيم، الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، ومرشح مجلس الشعب السابق، لوزارة الأوقاف. إبراهيم وافق على الفور، قائلاً على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي: «كل من شاورتهم من العلماء والفضلاء أشار بقبول الوزارة، وقد استخرت الله ونسأل الله أن يقضي بالخير، وأن يستعملنا في ما يرضيه عنا».
وما إن أعلن يسري إبراهيم هذا الأمر، حتى كان الهجوم والدفاع هما السمة السائدة في الأوساط الإسلامية والسياسية على السواء. المنصب الذي سيتولاه إبراهيم منصب حساس في مجتمع مثل مصر، حيث رجل الدين له تأثيره المشهود على المواطن، والمظاهر الدينية فيه لها نصيبها الموفور. ووزارة الأوقاف هي المسؤولة عن أئمة المساجد والدعاة الذين يعتلون المنابر ويشكل كثير منهم وعي الناس، فضلاً عن تداخل دور الوزارة مع المشيخة الصوفية في مسائل الأضرحة الموجودة في المساجد ونذورها، التي يعترض عليها ويهاجمها المنهج السلفي. كذلك يتداخل دور الوزارة مع عمل الأزهر الشريف في مجال الدعوة الذي يراهن البعض على أن يكون هو المرجعية الأساسية في المرحلة المقبلة.
الاعتراضات الدعوية جاء أغلبها ليصبّ على المذهب الفكري الذي ينتمي إليه يسري إبراهيم. فهو شيخ سلفي، ممن تربوا في السعودية وتأثروا بها وبمدارسها فترة طويلة من نشأته؛ إذ وصل في مرحلة التعليم إلى الثانوية وحفظ القرآن في السعودية التي عمل والده فيها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قبل أن يعود إلى مصر ليلتحق بكلية الهندسة، بالإضافة إلى حصوله على الماجستير والدكتوراه من جامعة الأزهر، وتحديداً من كلية الشريعة بعد دراسته فيها. ويواصل اتصاله بالسعودية من خلال عمله في بعض الهيئات كمجمع الفقه الإسلامي في جدة، ورابطة العالم الإسلامي في مكة. لكن ذروة هذا الاعتراض، كان سببها آراء سابقة ليسري الذي هاجم في كتب سابقة له، أحد أكثر مذاهب الأزهر انتشاراً في العقيدة الإسلامية وهو الأشعري والماتريدي، بوصفه منهجاً مخالفاً لمنهج أهل السنّة والجماعة، الأمر الذي دفع الباحث إبراهيم الهضيبي إلى شنّ حملة كبيرة عليه، واصفاً هذا الأمر على صفحته على «فايسبوك» بأنه «خداع وتدليس من شخص وهابي، هاجم الأزهر ولم يدخله إلا للتصدي لمذهبه».
ورأى الهضيبي أنه «إن كنا نريد أزهراً مستقلاً بصدق، فلا يمكن أن نقبل بتسليم موارده المادية ومساجد الدولة لمن عاش يحارب هذا المنهج ولم يدخل الأزهر إلا لذلك»، وهو ما دفع الدكتور محمد يسري سلامة، المتحدث السابق باسم حزب النور السلفي، للرد قائلاً: «من ينتقد يسري إبراهيم لأنه «سلفي و«وهابي» وخارج على منهج الأزهر، فهذا جهل منه بالتاريخ». ولفت إلى أن «الشيخ عبد المجيد سليم، الذي كان شيخاً للأزهر في مطلع الخمسينيات، وقبلها مفتياً لمصر كان من مؤسسي جمعية أنصار السنة المحمدية السلفية، والعنصر السلفي كان على الدوام ضمن تركيبة الأزهر».
سياسياً، ربط جميع المعترضين بين علاقة يسري إبراهيم وخيرت الشاطر، الذي أيده أمام الشاب الإخواني السابق مصطفى النجار في انتخابات مجلس الشعب الماضية، ليخسر أمام النجار في دائرة مدينة نصر التي تشكل معقلاً ليسري بفارق كبير. هذا الأمر جعل عدداً من الناشطين، بينهم هيثم أبو خليل الكادر الإخواني السابق، يتساءلون: «كيف لشخص لم يختره أهل دائرته أن يُختار في وزارة».
ولفت أبو خليل إلى أن السبب الرئيسي هو أن يسري محسوب على ما يعرف بتيار السروريين الجدد، وهو تيار سلفي بأفكار إخوانية، يُعَدّ الدكتور يسري أحد رموزه في مصر، وهو مرحب به من الشاطر الذي يميل إلى هذا النموذج.
ويرغب الشاطر في «أن يقاوم تمدد التيار السلفي بمن هو يحسب عليهم وليس منهم وبنفس الآلية يتحرك مع مؤسسة الأزهر بشيخ أزهري الشكل دون الجوهر يحدث التوازن في التوقيت المناسب».
أما أنس حسن، الناشط السياسي الإسلامي، فكان من بين الأصوات التي وقفت في منتصف هذا التراشق، ليدعو مع غيره إلى الانتظار لتقويم عمل الرجل ثم الحكم عليه.
ولفت حسن، في حديث مع «الأخبار»، إلى أنه سبق أن تولى الوزارة أشاعرة وأيضاً معتزلة، ولم ينعكس ذلك الاعتقاد على محتوى ومضمون الرسالة الدينية على المنابر، بالعكس كان انتشار الخطاب السلفي حتى على منابر الأوقاف أمراً ملاحظاً وملموساً ولا يجوز بحال أن يفرض أحد أو يشترط توجهاً فكرياً محدداً لوزير.