لا أضواء ملوّنة ولا حشود تتدفق على الأسواق لشراء الاحتياجات خلال شهر رمضان في حلب. تتراكم القمامة على جوانب الطرق، ويمرّ سريعاً قلّة قليلة من الأشخاص يبدو عليهم القلق. وفي حين يرحّب بعض سكان حلب بقدوم مقاتلي المعارضة، يبدو البعض الآخر متوجساً من المقاتلين الذين سيطروا على أجزاء من هذه المدينة القديمة، التي ظلت لشهور على هامش الازمة. فلقد انتقلت المعركة المسلّحة إلى حلب هذا الشهر، وتدفق إليها مقاتلون من الريف بهدف تحرير المركز الاقتصادي لسوريا وسكانها البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة.
في بعض المناطق الفقيرة على مشارف المدينة يتجمع رجال بثيابهم التقليدية البيضاء على أعتاب منازلهم ويتحدثون عن أوضاعهم قبل حلول موعد الإفطار. البعض متحمس لسيطرة المعارضة، لكنهم يقرون بأن الحرية لم تجلب الراحة التي كانوا ينشدونها.
يقول جمعة، وهو عامل بناء، تكسو التجاعيد وجهه ويبلغ من العمر 45 عاماً، «يمكنني أن أقول إن 99.9 في المئة من الناس لا يصومون. كيف نصوم ونحن نسمع دوي الهاون والمدفعية وهي تضرب مناطق مجاورة ونسأل إن كان الدور القادم علينا». قبل أن يضيف «يكاد لا يكون لدينا أي كهرباء أو ماء وزوجاتنا وأبناؤنا تركونا هنا لحراسة البيت وذهبوا إلى مكان أكثر أمنا. إنه رمضان حزين». ورغم ذلك يشعر جمعة بالحماسة وهو يرى مقاتلي المعارضة في شوارع ثاني أكبر المدن السورية.
لكن جاره عمرو يرى الوضع بشكل مختلف. يقول متذمراً «كل ما لدينا الآن هو الفوضى»، قبل أن يقاطعه أحدهم معترضاً بشدة على ذلك الرأي، ويقول «لكنهم يقاتلون ليخلصونا من القمع». هنا يهزّ عمرو رأسه قائلاً «لا زلت مقموعاً... فأنا بين خيارين. أريد فقط أن أعيش حياتي».
وفيما تهرع مجموعات من الأطفال لتحية مقاتلي الجيش السوري الحر في شاحناتهم، يتشبث آخرون بأيدي أمهاتهم ويحملقون في الأرض. ويشعر مقاتلو المعارضة، وأغلبهم من الريف، بالحيرة أمام مظاهر الاستقبال المتضاربة.
مصطفى، مقاتل جاء من قرية مجاورة للقتال في حلب، يعلّق بقوله «اعتقد أن الكثير من الحلبيين يريدون التخلص من النظام لكنهم يريدون منا نحن أبناء الريف أن نقوم بهذا نيابة عنهم. أن نفقد أقاربنا ووظائفنا. إنهم يريدون هذا من دون أن يعانوا هم أنفسهم».
وفي السوق الواقع في حي على مشارف المدينة كانت أغلب المتاجر مغلقة والمفتوح منها لا يعرض أكثر من البضائع المعلبة. في كل يوم تخرج من المدينة شاحنات وسيارات أجرة مكتظة بالأسر والمخدات والبطاطين. وفي أحد الأزقة، كانت هناك أسرة تنقل كل متاعها من شاحنة نقل. ويعلق الأب «سنتوجه إلى الريف».
وفي الأزقة القريبة من وسط المدينة والمتجهة إلى مناطق أكثر ثراء تتوافر الخضروات الطازجة واللحوم والمكسرات. لكن تغيب الرغبة في الشراء. يراقب البعض بتوجس مقاتلي المعارضة ببنادقهم الآلية وهم يفحصون بطاقات هوية المارين في شوارع مجاورة.
وعلى ما يبدو، فإن مقاتلي المعارضة مشغولون بمحاولة إدارة أجزاء المدينة التي يسيطرون عليها؛ فهم يتابعون الآن حركة المرور ويبتسمون لسائقي سيارات الأجرة الذين يلوحون لهم ويتبادلون معهم المزاح ويقول بعضهم «ما رأيكم في القيام بدور الحكومة؟». حين يوقف المقاتلون شاحناتهم في الشوارع يخرج بعض السكان ويطلبون منهم المساعدة في الحصول على البنزين. ويلح البعض عليهم لفتح المزيد من المخابز حتى تقلّ طوابير المنتظرين لشراء الخبز.
(رويترز)