الجزائر | تعيش معظم التشكيلات السياسية في الجزائر الآن اضطرابات وانقسامات قبل أقل من أربعة أشهر من الانتخابات المحلية لاختيار مجالس البلديات والولايات، فيما تبقى الحكومة غائبة بعد قرابة ثلاثة أشهر من انتخاب البرلمان الجديد. وطرح هذان العنصران أعباءً جديدة على كل الجهات المعنية بالإعداد لهذه الانتخابات، حتى أن الكثيرين شككوا في امكانية تنظيمها في شهر تشرين الثاني المُقبل كما كان مقرراً.
في الواقع يستمر النزيف في الأحزاب الكبيرة، فجبهة التحرير لا تزال مشتعلة رغم حصولها على غالبية مقاعد البرلمان، ولا يزال العمل لاسقاط أمينها العام عبد العزيز بلخادم، سارياً، حيث يتهم معارضوه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأجهزة الأمن، بالتدخل المباشر في الصراع لإبطال مفعول قرار اتخذه معظم أعضاء اللجنة المركزية لإسقاطه.
هذا الجو أثّر كثيراً على إعداد الموعد الانتخابي المقبل، في حين لم يكن التجمع الديموقراطي، الذي حصد 71 مقعداً في البرلمان، بمنأى عن الاضطراب.
وأعلنت نورية حفصي، متزعمة المعارضة الداخلية لرئيس الحزب، رئيس الحكومة أحمد أويحيى، أن النقاش بدأ حول طريقة دخول الانتخابات المقبلة، ولم تستبعد تقديم قوائم مستقلة تمثل «حركة انقاذ التجمع الديموقراطي» التي تقودها. وقالت حفصي، إن اجتماعات جهوية «أقاليم» ستبدأ في الرابع من آب الجاري بمناقشة الموضوع وتحدد الصيغة النهائية للمشاركة، لكنها أكدت أن الصراع داخل الحزب لن يتوقف حتى إسقاط رئيس الحكومة من منصب رئيس الحزب وتغيير القيادة الحالية.
ولم يصدر عن هذه القيادة حتى الآن أي رد فعل بخصوص هذا الموضوع باستثناء تصريح يفيد بأن الحزب سينفتح على محبيّه من غير الأعضاء العاملين لترشيحهم، وخصوصاً أن المشاركة في أكثر من 1550 بلدية و48 ولاية (وهو عدد بلديات وولايات الجزائر) يحتاج الى عشرات الآلاف من المرشحين، فضلاً عن أهمية المناسبة لتجديد دم الحزب وتوسيع قواعده، وأيضاً للضغط على معارضته الداخلية.
وقبل ايام، كان الوزير عمار غول، أهم شخصية في «حركة مجتمع السلم» (الاخوان المسلمين)، قد أعلن الخروج من حزبه على رأس كوكبة من القياديين والكوادر، وتأسيس تنظيم جديد مفتوح لكل الأنشطة في المجتمع.
والحزب الوحيد من بين أكثر من 50 حزباً، الذي بدأ التحضير للموعد الانتخابي، هو حزب العمال. فقد أصدرت زعيمته لويزة حنون، تعليمات الى هيئات الحزب، على كل المستويات، لبدء التحضير تقنياً وسياسياً وتنظيمياً لتجاوز أخطاء الإعداد في الانتخابات البرلمانية، حيث قلّصت مساهمة الحزب الى 24 نائباً بعدما كان 26 في التشكيلة السابقة. وكان «حزب العمال» يمنّي النفس برفع حصته الى 36 نائباً على الأقل بعد رفع عدد النواب الإجمالي من 389 الى 462.
وتجري هذه الاضطرابات في الأحزاب الكبيرة والصغيرة على السواء، في وقت تعاظمت فيه الشكوك حول مصير الحكومة. فبعد نحو ثلاثة أشهر من تجديد البرلمان، لم يقدم بوتفليقة (وهو المخول دستوراً) على تشكيل حكومة جديدة. وتسير ستة قطاعات بلا وزراء بسبب إقالة من كانوا يشغلون المناصب لالتحاقهم بالبرلمان، فضلاً عن قطاع العدل الذي انتقل وزيره الطيب بلعيز، لرئاسة المجلس الدستوري وتوقف النشاط تماماً في بعض هذه القطاعات، رغم أهمية المرحلة الحالية، مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي تستقبل أكثر من 350 الف طالب جديد وهي بلا وزير.
في غضون ذلك، طلبت قوى سياسية عديدة، بما فيها تلك المقربة من النظام، توضيحات من الرئاسة حول الأسباب التي أخّرت تشكيل الحكومة الجديدة. فقد تساءلت «الحركة الشعبية»، وهي حزب علماني اعتمد قبل اشهر بعد انتظار سبع سنوات، حول دوافع هذا التأخير، ورجّحت أن يكون مرتبطاً بالوضع المضطرب للأحزاب الكبيرة التي تتشكل منها الحكومة وبحسابات قوى النفوذ في النظام السياسي.
وانتقدت التأخير لكونه تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة بالنظر لجمود النشاط العام.