ديرالزور | لا يكاد يهدأ وقع الاشتباكات في مدينة ديرالزور، حيث لا يمر يوم من دون أن تشهد جبهاتها معارك بين الجيش ومسلحي «داعش» الذين استماتوا لدخول المدينة والسيطرة عليها. أكثر من عشر جبهات مشتعلة تتفاوت فيها حدّة الاشتباكات بين منطقة وأخرى، في حرب استنزاف للقوى بين الطرفين، تبدو حتى الآن لمصلحة الجيش والقوى المقاتلة معه من «الدفاع الوطني» و«مقاتلي العشائر» في المدينة.
فإلى جانب جبهات المطار العسكري والجفرة، تشهد أحياء الحويقة الشرقية والغربيّة والصناعة والعمال اشتباكات هي الأعنف في المدينة، والتي تعتبر خط تماس مباشر مع «داعش»، فيما تبدو أحياء الرصافة والمطار القديم والموظفين والجبيلة والعرفي جبهات هادئة نسبياً. قرب نقاط الاشتباك بين الطرفين، أوجد طرق تعامل مختلفة، تتناسب مع طبيعة كل منطقة. الجيش، وبهدف التخلّص من نيران القنص، وإيجاد طرق إمداد لنقاطه في حي الحويقة المكشوف على نهر الفرات، لجأ إلى حفر الأنفاق والخنادق على مسافات تصل إلى أكثر من 2 كيلومتر، يقوم عناصر الجيش بحفرها وفق تخطيط وحدات مختصة. يقول قائد ميداني لـ«الأخبار» إنّ «الأنفاق تعطينا ميزات دفاعية وهجومية في آن واحد. كثيراً ما أحرزنا تقدماً في الحي من خلال حفر الأنفاق ومباغتة المسلحين في مواقعهم وقتلهم واغتنام أسلحة والسيطرة على هذه المواقع»، فيما تعلو الدشم بشكل كبير يصل إلى أكثر من مترين في بعض أجزاء حي الصناعة الملاصقة لمواقع التنظيم بهدف منع مسلحيه من رصد مواقع الجيش في الحي الذي نجح «داعش» في التسلل إلى مساحات واسعة منه قبل ثلاثة أشهر، إلا أن غزارة نيران الجيش من مدفعية الجبل المطلّة على الحي أجبرتهم على الانسحاب من أغلب المناطق التي دخلوها في الحي، على حساب إعادة تمركز الجيش فيها. ويؤكد أحد ضباط قوى الأمن الداخلي، المنتشرين في الحي، أنّ «المتاريس العالية مكّنتنا من إخفاء مواقعنا، فيما تبدو مواقعهم مكشوفة أمام مراصد ومدفعية الجبل التي تساندنا في صدّ أيّ محاولة تقدم، سواءً في حي الصناعة أو العمال. هذا يمكّننا من اصطياد تحركاتهم واستهدافهم».
كذلك، تقع أحياء الحميدية والشيخ ياسين والعرضي وكنامات وعياش تحت نيران مدفعية الجيش والطائرات التي تستهدف مواقع «داعش» فيها. وعلى عكس بقية الجبهات، تُعتبر أحياء القصور والجورة وطب الجورة والوادي وهرابش والبغيلية أحياء تشهد هدوءاً يكسره أحياناً سقوط قذائف هاون. الحياة في هذه الأحياء اعتيادية ولا وجود لحواجز كبيرة فيها، في حالة أمنية مستقرة ينقصها تأمين مزيد من المواد الغذائية لكسر الحصار المفروض على المدينة منذ ستة أشهر.
وجود الجيش في أحياء عديدة يمكّنه لاحقاً من شنّ عمليات هجومية تستهدف استعادة السيطرة على كامل تلك الأحياء، فيما يشكّل جسر «السياسية» الذي يربط المدينة بالريف وباقي المحافظات عائقاً أمام الجيش في التفكير في شنّ أي عمليات هجومية حالياً، نظراً إلى طرق الإمداد المفتوحة للتنظيم باتجاه المدينة، والتي تعبر عبر الجسر، لذلك كثّفت الطائرات الروسية هجماتها أخيراً على الجسر بهدف تدميره، ومنع استخدامه، وبالتالي عزل المدينة عن الريف، ما يفتح الطريق أمام عمليات متنوعة للجيش.