جاءت تفجيرات سيناء لتفجّر معها نقاطاً ساخنة في وجه الرئيس محمد مرسي، صاحب الخلفية الإسلامية، والمنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. فتبنّيه لرؤية محددة في كشف أسباب التفجير ومنفذيه والوقوف والدفاع ضد رؤية أخرى، يضعه في حرج أمام الإسلاميين وبعض القوى الثورية، بما يؤدي إلى حرق التيار الإسلامي كله، إما بإظهار عجز مرسي في التصرف، أو شيطنة التيار وتحميله مسؤولية ما يحدث من اضطرابات بما فيها الاضطرابات الأمنية.
التكهنات التي خرجت من جميع الأطراف للبحث عن منفذي العملية تصب في اتجاهين اثنين. الأول يتعلق بأن منفذي العملية هم من جهاديي القاعدة بمساندة فلسطينية وتغافل إسرائيلي. والاتجاه الثاني يذهب إلى أن جهات استخبارية بتنفيذ ومساندة إسرائيلية هي التي قامت بالعملية باستعانة من داخل مصر. وهما احتمالان يضعان مرسي في حرج أمام التيارات الإسلامية وأمام الرأي العام إذا ما تبنى رد فعل قوي تجاه أحد الاحتمالين، ولا سيما أن مرسي غير قادر على اتخاذ تدابير بمفرده في ظل وضع قوي للمجلس العسكري في ما يتعلق بتأمين البلاد.
ففي حال تبني الرؤية الرسمية بأن هؤلاء جهاديون حصلوا على مساعدة فلسطينية، فإن هذا يضع مرسي في مواجهة مع قطاع غزة، الذي يلاصق الحدود المصرية. أبواق الإعلام التابع للفلول لن تكف عن اتهام «حماس» الإخوانية، التي تدير قطاع غزة بأنها السبب الرئيسي وراء هذا الأمر، هذا فضلاً عن وضع مرسي في موضع الاتهام بسوء التقدير لقراره السابق بفتح معبر رفح بشكل دائم أمام الفلسطينيين وإلغاء التأشيرات. وهذا يعني خروج نفس الدعوات التي طالبت بإغلاق المعبر وتدمير كل الأنفاق المؤدية إلى غزة، سواء المستخدمة في إمرار الاحتياجات الرئيسية لأهالي القطاع أو الأسلحة للمقاومة الفلسطينية، مع شيطنة المقاومة واعتبارها ترغب في جر مصر إلى حرب مع إسرائيل، تمثل غطاءً لها في التحرك نحو مقاومة المحتل الإسرائيلي.
وسيجد مرسي نفسه في حرج بالغ أمام الإسلاميين، إذا ما أقدم أو وافق على تبني هذه الرؤية واستجاب للضغوط التي تلقي باللوم أو الاتهام لأي عناصر فلسطينية، لأنها ستضعه هو وجماعته أمام محك اختبار طالما تصدت له الجماعة وهو شيطنة الفلسطينيين ومحاصرة قطاع غزة وإغلاق معبر رفح وتدمير كل الأنفاق.
ومن المتوقع أن يتزامن مثل هذا التصعيد مع تعثر في ملف المصالحة الفلسطينية، وعدم الترحيب بقادة الفصائل في مصر من قبل الرأي العام والشارع المصري، إضافةً إلى اتهام مرسي في بلاغات رسمية بزعزعة الأمن العام بقرارات الإفراج عن جهاديين وإسلاميين سابقين في الآونة الأخيرة. ومن ثم تكون المحاولة الأولى في وضع مرسي في مواجهة مع التيار الإسلامي لحرقه، وإظهاره بمظهر المتناقض في مواقفه أو المتخاذل في دعم الأشقاء والاستكانة في مواجهة من يتشيطنون المقاومة وأشقاء عرب ومسلمين، والمتخبط في اتخاذ القرارات بشأن وضعهم في غزة.
أما في حال تبني الرؤية الأخرى الخاصة بالضلوع الإسرائيلي في الهجوم مع جهات استخبارية أو تسهيل مهمة جهاديي تنظيم القاعدة، فإنها ستضع مرسي في موقف حرج آخر، وهو حتمية الرد على الجانب الإسرائيلي والمتورطين معه والقصاص للشهداء. وهو ما أمر ليس بالسهل لإعلانه سابقاً احترامه معاهدات مصر الدولية، والتي من بينها اتفاقية كامب ديفيد التي تكبل الجانب المصري في سيناء، ولا سيما المنطقة الحدودية الملاصقة لإسرائيل والمعروفة بالمنطقة «ج».
كذلك، فإن محاولة الرد المباشر أو التصعيد الدبلوماسي من شأنه إدخال البلدين في توتر ينسحب على العلاقات الخارجية المصرية، والتي تؤجل مصر التعامل معها إلى حين إصلاح الأوضاع الداخلية، بما قد يعظم من دور المجلس العسكري ويزيد من خشية الدخول في أي مواجهة من أي نوع في هذا التوقيت الحساس لمصر، أو الانزلاق في سيناريوهات غير مرغوب فيها الآن بالنسبة إلى الجانب المصري ويفكر فيها «رجل الدولة المسؤول» قبل الإقدام عليها. ومن ثم تؤول المسؤولية في هذا الملف إلى الجانب العسكري بوصفه المتحمل الأكبر للكلفة في حال حدوث أي مواجهة تكتيكية أو استراتيجية. وهو ما قد يزيد من سخط العديد من القطاعات الثورية والإسلامية التي سترى في هذا تهاوناً في حق الدماء المصرية لا يمكن السكوت عنه، بعدما كان يُغضّ الطرف حياله إبان عهد حسني مبارك. ويُظهر هذا الخيار مرسي في وضع المستكين غير القادر على حماية أرواح المصريين والمسلمين، من مؤامرات الإسرائيليين، والعاجز عن إقالة العسكريين المتسببين بضعف تدريب الجنود والضباط، والغارقين في بحور السياسة ومزاحمة المدنيين في إدارة البلاد. وهو ما من شأنه أن يُظهر مرسي أيضاً عاجزاً أمام رئيس المجلس العسكري محمد حسين طنطاوي وقادة الاستخبارات والجيش، بما يؤدي إلى إحراقه سياسياً في المستقبل القريب، بما يدفع في إحراقه وإحراق التيار الإسلامي «سياسياً _ أمنياً في المستقبل».