دخلت ليبيا منعطفاً جديداً بانتخاب رئيس ونائب له لمجلسها التشريعي (المؤتمر الوطني العام)، خلال اليومين الماضيين، فيما بدت الخريطة السياسية أشد وضوحاً مع انتهاء الانتخابات، وفرز الأصوات المحسوبة وفق توزيع الكتل السياسية الكبرى.
فانتخاب الأستاذ الجامعي محمد يوسف المقريف، الذي شغل منصب سفير ليبيا لدى الهند قبل انشقاقه عن نظام العقيد الراحل معمر القذافي منذ بدايات الثمانينيات، جاء بعد دورتين. الدورة الأولى حصل فيها منافسه علي زيدان على 80 صوتاً، فيما حصل المقريف على 56 صوتاً، والمرشح الثالث الاسلامي عبد الرحمن السويحلي على 53 صوتاً. أما جمعة السائح، فقد حصل فقط على 8 أصوات، وسليمان زوبي على صوتين. لذلك انحصرت المواجهة في الدورة الثانية، بين زيدان والمقريف، ففاز الثاني بـ 113 صوتاً، بينما حصل الأول على 85 صوتاً من أعضاء المؤتمر الوطني.
وبدت لعبة التنافس واضحة في الدورة الثانية بين كتلتين سياسيتين كبيرتين، هما تحالف القوى الوطنية (ليبراليون) والجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (إسلاميون ومستقلون). فرغم عدم انتماء الأستاذ الجامعي الى اي حزب سياسي، يعدّ المقريف إسلامياً معتدلاً قريباً من تيار الإخوان المسملين (حزب العدالة والبناء لديه 17 مقعداً)، لذلك بدا واضحاً أن أصوات السويحلي الاسلامي، ذهبت في الجولة الثانية من التصويت الى صالح المقريف. وبحسب مصادر صحافية فإن الإسلاميين الذين يشكلون الكتلة الثانية من حيث عدد الأصوات يعتبرون المقريف إخوانياً قديماً.
وفي ثاني استحقاق دستوري شهدته ليبيا أول من امس، انتُخب جمعة أحمد اعتيقه، نائباً أول لرئيس المؤتمر بـ 103 أصوات من إجمالي 200 صوت في الجولة الثانية من التصويت، فيما حصل منافسه صالح محمد المخزوم، على 93 صوتاً. وكان اعتيقة، قد تقدم على منافسيه في الجولة الأولى بالحصول على 75 صوتاً، فيما حل المخزوم ثانياً بـ (72 صوتاً)، وحاز المركز الثالث سليمان يونس قجم بـ (37 صوتاً) والسنوسي ارحومة محمد رابعاً بـ (11 صوتاً) فقط في الجولة الأولى.
وبالعودة الى سيرة الدكتور محمد يوسف المقريف، فهو أكاديمي ومؤرخ وسياسي ليبي، يعد من أقدم وأبرز وأشهر المعارضين لحكم العقيد القذافي منذ عام 1980، عندما قدم استقالته العلنية، وأعلن انفصاله عن نظام القذافي «احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان وتدمير مؤسسات البلاد».
والمقريف من مواليد مدينة بنغازي سنة 1940، شغل وظيفة أستاذ جامعي في ليبيا، وتولى عدة وظائف إدارية وسياسية قبل اعلان معارضته للنظام.
ويبدو أن الرجل كان أكاديمياً بامتياز، فقد رافقه التفوق والنجاح دائماً في مسيرته العلمية، حيث كان ترتيبه الأول على مستوى المملكة الليبية (سابقاً) في شهادة التوجيهية (الثانوية العامة) عام 1958.
تخرج المقريف من كلية الاقتصاد والتجارة في الجامعة الليبية عام 1962بتقدير ممتاز مع درجة الشرف الأولى. وعين معيداً بالكلية ذاتها. ثم أكمل دراسته العليا في بريطانيا عام 1971 حيث نال الدكتوراه في مجال المحاسبة والمالية من جامعة لندن، وحصل على زمالة جمعية المحاسبين القانونيين في انكلترا وويلز، وعضوية جمعية خبراء الضرائب في بريطانيا.
أما مسيرته التدريسية في بلده، فبدأت عام 1971، حين عُيّن أستاذاً محاضراً في كلية الاقتصاد في الجامعة الليبية (التي عرفت بقاريونس)، ثم وكيلاً للكلية، وبعدها عُيّن عام 1972 رئيساً لديوان المحاسبة في ليبيا (بدرجة وزير) وبقي في هذا المنصب حتى عام 1977.
وعلى مستوى المناصب السياسية، عُيّن المقريف عام 1978 سفيراً لليبيا لدى الهند، لكنه أعلن عام 1980 استقالته من منصبه وانضمامه إلى المعارضة الليبية في سعيها إلى إطاحة نظام القذافي «وإقامة بديل وطني دستوري ديموقراطي راشد». وبناءً على ذلك شارك عام 1981 في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وانتخب أميناً عاماً لها في الأعوام: 1983، و1985و1992، و1995.
طاردته خلال منفاه أجهزة استخبارات القذافي الذي أطلق في الثمانينيات حملة لتصفية العديد من معارضيه، الذين كان يصفهم بأنهم «كلاب ضالة».
ونجا المقريف من عدة محاولات اغتيال، ولا سيما في روما في 1981 والدار البيضاء في 1984 ومدريد في 1985 حسب إحدى بناته اسماء.
لكن اشهر تلك المحاولات كانت في 1989 عندما فجّر النظام الليبي طائرة لشركة «يوتا» الفرنسية لاعتقاده بأن المقريف على متنها، حسبما كشف وزير الخارجية السابق عبد الرحمن شلقم.
بيد أن الرجل، الذي تزوج وأنجب بناتاً ستاً، استقال عام 2001 من قيادة الجبهة، وخصص جل وقته واهتمامه للبحث والتدوين والعمل الأكاديمي. لكنه بعد عودته الى ليبيا عاد الى العمل السياسي، وأسس حزب الجبهة الوطنية، الذي خاض الانتخابات وفاز بثلاثة مقاعد.