جئتم من مخيماتكم في سوريا لتحلوا ضيوفاً أعزاء علينا هنا في لبنان. تركتم كل شيء خلفكم وهربتم. ستعيشون اللجوء للمرة الثانية بعد لجوئكم الأول من فلسطين. ستشعرون خلال إقامتكم بالفرق بين النعمة التي كنتم تعيشون فيها في مخيمات سوريا وما كنتم تقدرونها، وبين الواقع الجديد الذي لجأتم إليه والذي نعيشه نحن منذ 64 عاماً في مخيمات لبنان. ستشاهدون بأمّ عيونكم ما كنتم تسمعون عنه من سوء أوضاع مخيماتنا. جئتم لتكونوا ضيوفاً على الضيوف في هذا البلد.
حالكم أسوأ من حالنا. قد تحسدون أنفسكم على النعيم الذي كنتم تعيشون فيه. فمخيمكم مخيم اليرموك مثلاً مدينة ووصف المخيم لا ينطبق عليه. لكن بقاء التسمية هو للتذكير وللتأكيد فقط أن مكوثكم فيه مؤقت. هكذا، حضرتم بنحو غير متوقع رغم بعض التحضيرات التي قمنا وقامت بها الفصائل الفلسطينية لاستقبالكم. لكن كل هذه التحضيرات لا تزال غير كافية لمساعدتكم. وبالطبع لا يمكننا الاعتماد على الأونروا. فهي قد استقالت من مهمتها الأساس، أي «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» كما يقول اسمها. فالوكالة الأممية لا تغيث ولا تشغّل أحداً، وهي بحاجة لمن يغيثها من أزمتها المالية التي لا تعرف أن تنتهي.
اليوم سنتقاسم نحن وأنتم لقمة العيش نفسها. سنعيد تكرار ما عشناه عندما نزح أبناء مخيم نهر البارد. حينها فتحنا بيوتنا لهم، واليوم سنعيد فتح بيوتنا مجدداً كما فعلنا ذلك سابقاً أيضاً لإخواننا اللبنانيين خلال حرب تموز ولأبناء جلدتنا خلال أحداث البارد. فترة بقائكم غير معروفة، لكنكم ستكونون بين أهلكم وأبناء بلدكم؛ فالجسد الفلسطيني ألمه واحد إن كان في الداخل المحتل أو في الشتات. ستعرفون ما معنى أن ننتظر طبيب الوكالة الأممية ليفحصنا. وماذا يعني أنه لا يملك سوى خمس دقائق فقط لكي يعاين ويشخص ويصف لنا الدواء المطلوب. وكيف أن الدواء الذي يصفه هو نفسه لكل الأمراض. ربما هذه المرة علينا، نحن وأنتم، النازحين واللاجئين، أن نعتصم أمام الأونروا، أو يجب علينا كـ«فرض عين » أن نقتحمها، لننال حقوقنا بأيدينا. فهذه الوكالة التي لا تستطيع القيام بواجبها بسبب حجتها الأبدية، الأزمة المالية التي تمر بها، لو حسمت 10% فقط من معاشات موظفيها لأطعموا الضيوف الجدد في لبنان.
حالياً نتوقع موجة جديدة من النزوح. العدد الذي سيحضر غير معروف، ومن الأشياء التي من المفترض أن نقوم بها، إقناع الأونروا بفتح مدارسها، وإن لم ننجح في ذلك؛ فهناك حل مؤقت، هو وضع براكسات لكم بين القبور.