سواء اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قراراً بمهاجمة إيران في نهاية المطاف، أو لم يفعل، فإن الثابت أن أداءه السياسي والإعلامي حيال هذه القضية بات في حدّ ذاته موضوعاً مستقلاً يتجاذبه المعلقون الإسرائيليون بين المديح والنقد. وتناول عدد من المعلقين هذا الأداء من زاوية آثاره السلبية على الجمهور الإسرائيلي وعلى صدقية إسرائيل أمام العالم. وضمن هذا السياق، وجهت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، انتقاداً شديداً لما وصفته بـ«الديماغوجيا الخطيرة» التي يمارسها كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع إيهود باراك، والتي تتمحور حول تخويف الجمهور الإسرائيلي من الخطر النووي الإيراني بهدف إحداث موجة تعاطف في الرأي العام مع موقفهما في الشأن الإيراني. وربطت الصحيفة بين عدم نجاح الرجلين في تحقيق أغلبية لصالح هذا الموقف داخل هيئة الثمانية الوزارية وبين سعيهما إلى تجنيد الجمهور «بحيث يمكنهما أن ينقلا إلى جانبهما وزراء مترددين والادّعاء أن خطهما يعكس إرادة شعبية». ورأت الصحيفة أن «الهدف قد يكون ديموقراطياً، إلا أن النهج ديماغوجي، إذ ليس في الجمهور والقيادة خلاف حقيقي حول التصميم على ألا نعيش في ظل سلاح نووي إيراني، بل إن السؤال المطروح على النقاش هو ما إذا كانت كل المحاولات قد استنفدت ولا مفر من المبادرة إلى الهجوم في أقرب وقت ممكن عشية الانتخابات في الولايات المتحدة». واتهمت «هآرتس» نتنياهو وباراك بذر الرماد في العيون من خلال المعطيات التي يطلقانها، «فلن يكون هناك سلاح نووي لدى إيران في العام المقبل، والعملية ضدها ليس في اضطرار عاجل». وخلصت إلى أن «الديماغوجيا خطيرة على إسرائيل مثل النووي الإيراني».
في «هآرتس» أيضاً، شن جدعون ليفي هجوماً عنيفاً على «المحرضين على الحرب» الذين «أخذ صوتهم يقوى في الأيام الأخيرة». وعرض ليفي الحجج التي يروّجها هؤلاء لتبرير ضرورة شن هجوم إسرائيلي على إيران، مسلطاً الضوء على هشاشة كل منها وسطحيتها، وخصوصاً تلك التي تقول إن «الهجوم سيعجل إسقاط النظام في إيران». ورأى الكاتب أن هذا القول يعكس «قدراً لا يستهان به من جنون العظمة المرضي. فبعدما أرادت إسرائيل تبديل نظم الحكم في نصف الدول العربية، تتجه الآن إلى فعل ذلك في إيران أيضاً»، متوقفاً عند فشل الأهداف الإسرائيلية، سواء في ما يتعلق بلبنان أو قطاع غزة.
وفي «يديعوت أحرونوت»، كتب شمعون شيفر، أن «الفشل الأكبر لبنيامين نتنياهو في الولاية الحالية يكمن في عملية صناعة القرار في شأن الهجوم على إيران: فهكذا فقدنا أميركا في الطريق إلى ناتنز». وتحت عنوان «خطئية الغرور»، رأى شيفر أن التباين بين الموقفين الإسرائيلي، الذي يبدو مصمماً على الخيار العسكري ضد إيران، والأميركي، الذي يرى أن الوسائل الدبلوماسية لم تستنفد بعد، هو نتيجة شعور نتنياهو بأنه يعرف عن السياسة الأميركية ما يكفيه لكي يستغني عن تقديرات الآخرين في هذا الشأن. وبناءً على ذلك، قدر الكاتب أن «لجان التحقيق التي من المتوقع أن تؤلف في المستقبل ستسأل بعد الاطلاع على محاضر المداولات السرية: لماذا بُحث فقط في بديلين: القنبلة أم القصف؟ لماذا لم يطرح بديل الهجوم الأميركي مع مساعدة إسرائيلية مثلاً، أو الهجوم الإسرائيلي الذي يسند بموافقة ودعم أميركيين؟».
وفي يديعوت أيضاً، وصف إيتان هابر القرار بمهاجمة إيران بأنه «قرار بن غوريوني»، في إشارة إلى دلالاته المصيرية على إسرائيل. وكتب هابر «إن القرار بمهاجمة إيران مقامرة ضخمة على حياتنا جميعاً، وقد لا يكون نتنياهو وباراك وآخرون معنا حينما يأكل أحفادنا الثمرات العفنة لهذا القرار وربما لا يفعلون». وأضاف «هنا بالضبط المشكلة: نحن محتاجون إلى بن غوريون كي يقرر، وليس عندنا اليوم مع كل الاحترام بن غوريون كهذا».
وعلى الوتر النقدي نفسه عزف بن كسبيت في «معاريف»، مضيفاً مسحة تهكمية على «التصميم الدائم» لنتنياهو وباراك على ضرب إيران. وكتب بن كسبيت «بربكم... ليفعلاها وننته من الأمر. انتبهوا كم من الصخب والضجيج الذي يصم آذاننا وآذان العالم بأسره بشأن هذا «التصميم» من نتنياهو وباراك». وأضاف «كان منذ زمن غير بعيد مفاعل نووي نشيط في سوريا. إسرائيل شطبت هذا المفاعل بهدوء، بدون أقوال، بدون ترهات، بدون أحابيل، تهديدات، دق طبول وشقاق». ومضى يقول «صحيح، القصة الإيرانية أكثر تعقيداً بكثير، ولكن الضرر الذي لحق في هذه الأثناء بجهاز الأمن، بالثقة بين قيادة الجيش الاسرائيلي والقيادة السياسية، وكذا بالإحساس بالحياة العادية النادرة في هذا المكان، هو ضرر لا مرد له». وخلص الكاتب إلى أن تصميم باراك ونتنياهو يتلخص في هذه الأثناء بالثرثرة، «وعند النظر في المحيط، يخيل أنه ليس هنا فقط لا يأخذهما الناس على محمل الجد، بل وفي العالم أيضاً لم يعد أحد يتأثر بهما. اذهبوا لتعرفوا لعلهما في النهاية سيقصفان فقط كي يثبتا أنهما جديّان».