القاهرة | إعلان دستوري جديد، وخروج آمن لجنرالات المجلس العسكري، تلك هي ملامح الجمهورية الثالثة التي دشّنها الرئيس المصري المُنتخب محمد مرسي، بقراراته بإحالة المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان الى التقاعد. فبعد قرابة شهر ونصف، أحكم الرئيس المنتخب سيطرته على مقاليد حكم مصر، وأطاح الحاكم الفعلي للمصريين ما بعد الرئيس المخلوع حسني مبارك من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن حكومته، فأحال وزير الدفاع الى جانب رئيس الأركان الى التقاعد وضمن لهما خروجاً آمناً بتعيينهما مستشارين لرئاسة الجمهورية للشؤون العسكرية، وقلدهما قلادتي النيل والجمهورية، وهما أرفع درجتي تكريم في مصر. في هذا الوقت، خرج المتحدث الإعلامي لمرسي ياسر علي، إلى المصريين قبل موعد اذان المغرب بدقائق قليلة ليباغتهم بانقلاب مدني وربما بـ«ضربة معلم» كما وصفها العديد من المصريين، الذين اعتبروا أن إطاحة الجنرالين هي أول إنجازات الرئيس الإخواني وبطاقة تقديمه للشعب من جديد.

إلا أن المتحمسين لقرار مرسي بنوا رؤيتهم بمعزل عن التصريح الذى أدلى به عضو المجلس العسكري اللواء محمد العصار، الذى أبقى عليه مرسي، بل عينه مساعداً لوزير الدفاع. فقد قال العصّار لوكالة «رويترز» إن قرار مرسي جاء بعد مشاورات مع المشير وباقي أعضاء المجلس العسكري.
في ضوء تصريحات العصار، يوفّر قرار مرسي خروجاً آمناً لجنرال عسكري يتفوق على الخروج الآمن الذي وعد به مرشح النظام السابق أحمد شفيق في حال وصوله الى الرئاسة. فالقرار الذي فاجأ المصريين جميعاً بإطاحة رأس القوات المسلحة، أبقى المشير الثمانيني والفريق السبعيني، مستشارين للرئيس بما يضمن استمرارهما في الحصول على ملايين الجنيهات كمرتبات شهرية.
لكن في المقابل، أبعد الرئيس الجنرال عن دائرة صنع القرار وجاء بمدير الاستخبارات الحربية والاستطلاع اللواء عبد الفتاح السيسي، الذي رقّاه الى رتبة فريق أول ليتماشى مع منصبه الجديد وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وليس للمجلس العسكري الذي ظل مهيمناً على رأس الساحة السياسية منذ سقوط مبارك في 11 شباط من العام الماضي حتى يوم أمس.
وجاء قرار الرئيس بمثابة شهادة وفاة لهذا المجلس ولإعلانه الدستوري المكمّل الذي غلّ ذراع مرسي عن الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية ليتسلم مرسي جميع الصلاحيات، وبخاصة التشريع وإقرار الموازنة العامة للدولة، بل الحق في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور في حال صدور حكم قضائي بحلها.
اللافت أن قرار مرسي لم يوضح الأسباب التي جعلته يعتمد على قائد الجيش الميداني الثالث اللواء صدقي صبحي، رغم كونه مجرد رئيس لأركان حرب القوات المسلحة، فمرسي لم يجد غضاضه في أن يصدر قراراً بترقية كل من السيسي وصبحي من رتبة لواء الى فريق ويتبعه بقرار آخر بتعيينهما على رأس قيادات الجيش. هذا الأمر يثير التساؤل: هل الأمر يتعلق بولاء إخواني؟ أم مخطط متفق عليه مسبقاً؟
لا تزال الأمور غير واضحة بعد، فلا يعرف الكثيرون لماذا قرر مرسي إقالة قائد القوات البحرية الفريق مهاب مميش من منصبه وتعيينه رئيساً لهيئة قناة السويس، التي تعتبر أكثر أهمية باعتبارها المصدر الرئيسي للدخل القومي المصري. وذلك بالتزامن مع تعيين قائد القوات الجوية الفريق عبد العزيز سيف الدين رئيساً للهيئة العربية للتصنيع.
كذلك جاء اختيار المستشار محمود مكي (الصورة)، أحد أبرز المطالبين باستقلال القضاء في عهد مبارك، نائباً للرئيس، ليكوّن الفريق الرئاسي لمرسي ويجعل ذلك أغرب فريق شهدته مصر، وربما العالم، فهو فريق يجمع كل ألوان الطيف السياسي.