تحت عنوان «سوريا أولاً، أو إيران أولاً»، كتب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، الرئيس الحالي لمركز أبحاث الأمن القومي ـــ جامعة تل أبيب، اللواء احتياط عاموس يدلين، داعياً الغرب الى ضرورة التدخل العسكري المباشر في سوريا، باعتباره أولوية، ومقدمة لازمة لمعالجة الملف النووي الإيراني، مفنّداً موانع الخيار العسكري ودوافعه، وما يوجب اللجوء إليه.
أما زميله، الرئيس السابق لوحدة التخطيط الاستراتيجي في شعبة التخطيط في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، العميد احتياط شلومو بروم، فكتب عن التهديدات والفرص، في أعقاب تشكّل النظام المصري الجديد، داعياً الى معالجة مختلفة للعلاقات بين البلدين، ومنها مقاربة جديدة ومختلفة لحركة «حماس»، وكل ذلك في إطار العدد الأخير الذي صدر عن نشرة «جيش واستراتيجيا».

«سوريا أولاً، أو إيران أولاً»

يرى يدلين في تقريره أن نهج «الجلوس والانتظار»، هو النهج السائد حالياً إزاء سوريا، مشيراً الى أن «الغرب، عموماً، يخشى تكرار تجربتي أفغانستان والعراق، ويخشى أن يؤثر التدخل العسكري في سوريا سلباً على الحملة القائمة ضدّ الملف الأكثر حساسية وأهمية بالنسبة إليه، وهو الملف النووي الإيراني».
ويعرض يدلين الموانع التي تحول دون التدخل العسكري في سوريا، مشيراً الى أن «التجربة في العراق وأفغانستان أظهرت أن التدخل الأجنبي لا ينتهي مع سقوط الأنظمة، بل قد يؤدي الى انهيار كامل لمؤسسات الحكم، وزيادة الفوضى والعنف. كما أن الغرب، بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما، يخشى تداعيات الحملة العسكرية على سوريا، وخصوصاً أن الفشل المرير في العراق لا يزال ماثلاً في أذهان الناس، كما أن الانسحاب من أفغانستان لم يكتمل حتى الآن، ومصير ليبيا بعد التدخل الغربي غير واضح، والأزمة الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على هذه المسألة. كما أن إدارة أوباما تتجنب التدخل قبل الانتخابات الرئاسية».
وعن العامل التركي، الكابح للخيار العسكري، يقول يدلين إن نهج السياسة الخارجية التركية قائم على «صفر من المشاكل مع الدول المحيطة»، كما أن فلسفة الأتراك هي عدم استخدام القوة إلا كملاذ أخير، مشيراً الى أن «أنقرة تخشى تداعيات الخيارات العسكرية، وإمكان انعكاسها سلباً على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دولتين هامتين بالنسبة إليها هما: روسيا وإيران. إضافة الى أن سقوط نظام (الرئيس بشار) الأسد، سيعني بالنسبة إليها دفعة إضافية لتصعيد المواجهة مع الأكراد».
العائق الإضافي للخيار العسكري، بحسب يدلين، هو موقف كل من روسيا والصين. وبحسب عقيدة أوباما للسياسة الخارجية، فإن أي تدخل عسكري يتطلب شرعية دولية من مجلس الأمن، وهناك احتمال ضئيل للغاية، أن تحيد إدارته عن هذه العقيدة. ويشدّد يدلين على أنّ المعارضة السورية تقف بدورها عائقاً أمام التدخل العسكري؛ فهي لا تمثل بديلاً عملياً أو فاعلاً، وتفتقر الى زعامة يمكنها أن تحلّ مكان الأسد بعد سقوطه، إضافة الى عدم وجود حدود واضحة جغرافياً، بين المعارضين والنظام، ومن الصعب فهم طبيعة الفصائل المعارضة السورية على اختلافها، وما هي علاقاتها الفعلية بالغرب.
بالإضافة إلى ذلك، هناك سبب رئيسي، مادي وواقعي، يحول دون التدخل العسكري في سوريا، وهو أن المواجهة مع الجيش السوري معقدة جداً، وذلك بسبب الوسائل القتالية الأكثر تطوراً في سوريا قياساً بالحالة الليبية، إذ يتعين على الغرب أن يتعامل مع الدفاعات الجوية الروسية، إضافة الى أن سوريا تملك ترسانة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وترسانة من الصواريخ البعيدة المدى، وهو ما يعني أن إقامة منطقة حظر جوي ستمثل تحدياً كبيراً جداً للغرب.
ويشير الرئيس السابق للاستخبارات الى أن المعارضين للخيار العسكري يروجون أن المواجهة مع إيران هي سبب إضافي لعدم التدخل في سوريا، إذ إن فتح الجبهة السورية من شأنه أن يحوّل انتباه العالم نحو سوريا. مع ذلك، يؤكد يدلين أن لدى الغرب التزاماً أخلاقياً يحتم عليه محاولة وقف إراقة الدماء في سوريا. وما وراء الالتزام الأخلاقي، هناك دوافع ثقيلة أخرى، منها أن إسقاط نظام الأسد يؤدي الى انكسار لا يمكن ترميمه في بنية محور طهران، دمشق وبيروت.
ويستدل يدلين بأعمال العنف الأخيرة في لبنان ليؤكّد على الوضع المتفجر، وعلى خطر امتداد التوتر العرقي من سوريا الى دول المنطقة، وخصوصاً تلك التي تتسم بعدم الاستقرار، ومن بينها الأردن ولبنان والعراق. ويضيف إن أحد العوامل الأساسية التي من شأنها أن تدفع نحو التدخل الخارجي في سوريا هو منع الأسد من استخدام مخزونه من الأسلحة الكيميائية. ومع ذلك، فإن هذا سيناريو خطير للغاية، إذ قد يقدم الأسد على استخدامه إذا ما رأى أنه الحل الأخير المتاح أمامه، أو قد ينقل هذه الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية.
ويقول يدلين للداعين الى التنازل عن القضية السورية من أجل الاهتمام بالقضية الإيرانية، إن عليهم أن يدركوا أن عدم تحرك الغرب ضد الأسد، سيؤدي إلى ضعف غربي من جهة إيران، وسيشجعها على ترسيخ نفسها، والمضيّ قدماً في مشروعها النووي، مشيراً الى أن تركيز الجهود على سوريا، وخيار «سوريا أولاً»، وسقوط النظام فيها، قد تكون مقدّمة من أجل خلق ظروف أفضل للحملة الدولية القائمة على إيران.

«مصر ما بعد انتصار مرسي»

تحت عنوان «مصر ما بعد انتصار مرسي»، يكتب العميد بروم مقالته، التي يحدد فيها ثلاثة اهتمامات إسرائيلية تتعلق بمصر، وهي: 1/ أن تتحول مصر الى دولة معادية، ما يعني أن تتراجع عن معاهدة السلام، أو تلغيها؛ 2/ أن تتحول سيناء الى ساحة لانطلاق الهجمات على إسرائيل، من قبل كيانات غير حكومية وجهاديين ومنظمات فلسطينية، و3/ أن تعمد الحكومة المصرية الى دعم حركة «حماس» في غزة، على حساب السلطة الفلسطينية، وتدمر بذلك فرصة إجراء تسوية مع الفلسطينيين.
ويقول بروم: من الواضح أن حكومة الرئيس الجديد، محمد مرسي، لن تكون في انسجام كامل مع إسرائيل، ولن تحافظ على حوار مستمر معها، كما فعلت حكومة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ولكن لا يزال هناك الكثير من المسافة بين الواقع الحالي والعداء الكامل. ويضيف إن الإخوان المسلمين ومرسي نفسه، وفي مناسبات مختلفة، أكدوا ضرورة المحافظة على التزامات مصر الدولية، في إشارة الى اتفاقية السلام مع إسرائيل، على الرغم من صدور تصريحات تطالب بتعديل الاتفاقية، وتحديداً الملحق العسكري، الذي يحد من انتشار القوات المصرية في سيناء.
ويرى بروم أن سقوط مبارك والفوضى اللاحقة في مصر أضعفا الحكومة المصرية وسيطرتها على سيناء، وزادا من منسوب التهديدات لإسرائيل. وبالنظر إلى الوضع الداخلي الحالي في مصر، فمن المرجح أن يستمر ضعف الحكم المركزي في ظل حكم مرسي، وبالتالي فإنه قد يحصل تغيير نوعي للوضع في سيناء الى حدود غير محتملة.
ويرجح بروم أن تتطور العلاقات بين مصر و«حماس»، على مستويات أكثر من ذي قبل، طالما أنها لا تضرّ بالمصالح المصرية، وسوف تواصل مصر العمل على دفع العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك الضغط على «حماس»، لأنها تعتقد بأن العملية السياسية تخدم مصالحها. كما أن التقارب بين حركتي «فتح» و«حماس»، سيشكل عنصراً رئيسياً على جدول الأعمال الفلسطيني لمصر، ومن غير المرجح أن تدعم القاهرة العنف انطلاقاً من قطاع غزة ضد إسرائيل، لأنها تدرك أن هذه الأنشطة سوف تورطها.
ويخلص بروم الى أن لدى إسرائيل مصلحة واضحة ورئيسية، في إقامة حوار مع الحكومة الجديدة في مصر، مع الحفاظ على العلاقات القائمة بالفعل مع عناصر مصرية أخرى، وخصوصاً الجيش المصري. ومن أجل هذا الغرض، بإمكان إسرائيل أن توافق على الحديث عن تغييرات في الملحق العسكري لمعاهدة السلام، كما يمكنها، بحسب بروم، أن تستفيد من خدمات طرف ثالث في هذا الصدد.
ويتابع بروم، إنّه يجب على إسرائيل أن تفهم بأنّ كل ما يمكن أن يحدث في سيناء وغزّة، يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على العلاقات مع مصر، وبالتالي يجب علىها تبني سياسة حذرة ومدروسة للغاية، إزاء التحديات الأمنية في كل من الساحتين، وهذا يتطلب تحسيناً كبيراً في مسائل الدفاع، وصد عمليات التسلل، والهجمات من سيناء، ما من شأنه أن يقلص الحالات التي تستلزم ردوداً.
ويشير بروم الى ما يراه صوابية الرؤية الإسرائيلية، التي تطالب بإعادة النظر في السياسة الإسرائيلية المتبعة تجاه الفلسطينيين، وتغيير نموذج الإجراءات القائمة في هذا السياق. على سبيل المثال، ينبغي إعادة النظر في العلاقة الحالية مع حركة «حماس»، انطلاقاً من التغيير الذي طرأ على الحكومة المصرية، وفتح باب الحوار مع هذه الحركة، ما من شأنه أن يسمح بإدراجها في العملية السياسية. ومثل هذا الحوار «يجب أن لا يكون مباشراً في البداية، لكن على إسرائيل أن ترسل رسائل إيجابية لـ«حماس»، مثل تغيير السياسات المتبعة على المعابر».
ويلفت بروم الى أن «حماس» قد بدأت بالفعل عملية استبدال رعاتها السابقين، إيران وسوريا، برعاة جدد، مثل النظام المصري الجديد، وقطر، وربما السعودية، وهو ما قد يدعوها الى تغيير سياساتها، التي قد تشمل تغييراً في أسلوبها العنيف مع إسرائيل.



مواجهة الأسد


ينصح رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء احتياط عاموس يدلين، في تقريره «سوريا أولاً أو إيران أولاً» باتباع استراتيجيا مواجهة مع النظام السوري، تشمل القيام بخطوات تدريجية لإقناع الأسد بأن التدخل العسكري الغربي ممكن وواقعي وذي صدقية، وذلك من خلال تحريك القوات المحمولة بحراً وجواً قبالة السواحل السورية، وإجراء مسح استخباري لجمع المعلومات بواسطة الطلعات الجوية المركزة، وإعلان مناطق حظر طيران، وممرات إنسانية، ومهاجمة الدفاعات الجوية السورية، بل وفي سيناريوهات متطرفة، مهاجمة مراكز الحكم في سوريا، كما حصل مع الحالة الليبية، في حي باب العزيزية في طرابلس. الهدف من كل ذلك، أن يفهم الأسد بأنه ليس في مأمن من التدخل الدولي، وإن أدرك الأسد ذلك، ستكون هناك فرصة معقولة للتوصل الى اتفاق، يؤدي الى إطاحته، ويحول دون الحرب الأهلية الواسعة النطاق التي سيكون من المستحيل تقريباً احتواؤها.