أبين | في 9 أيار عام 2011، تغيّرت حياة علي الأخضر إلى الأبد. هذا الفتى، صاحب الـ14 ربيعاً من محافظة أبين في جنوب اليمن، وبينما كان في طريق عودته من قرية المحراب، حيث كان يقوم بزيارة عائلية، أصابته شظية ناتجة من غارة جوية من طائرة أميركية سببت له تشوهاً في الفكّ. فالغارات الجوية في جنوب اليمن التي تستهدف تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، تخلّف أيضاً قتلى وجرحى مدنيين يسقطون عشوائياً.
يقول والد علي، الأخضر علي حسن، إن منظمة «أطباء بلا حدود» أجرت عملية ترميم لفكّ ابنه كلّفت مليون ريال يمني (4660 دولاراً). لكن الفتى لا يزال يحتاج إلى عمليات آخرى. وقد دفع به اليأس إلى ترك المدرسة على الرغم من أنه كان طالباً مجتهداً.
يقول الأب إن علي يرفض رؤية زملائه في الصفّ «لأنه مشوّه». ويضيف «لقد مرّت ثمانية أشهر ولا أستطيع فعل شيء لمساعدته، لا يريد الذهاب إلى المدرسة وقد نقلته في إحدى المرّات إلى المستشفى لأنه تناول جرعةً زائدةً من العقاقير، أعتقد أنه اراد وضع حدّ لحياته، وتؤلمني مشاهدته هكذا، لا أعرف ما عليّ فعله».
علي الأخضر ليس وحيداً في بلد يجد المدنيون فيه أنفسهم عالقين بين مطرقة المسلحين وسندان الحكومة، فتتجاهلهم وسائل الإعلام العالمية وتنفي الحكومات سقوط قتلى في صفوفهم.
على مدى عقود، تركزت سياسة الولايات المتحدة في اليمن على التعاون مع قوّات الأمن في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال تدريب وحدات مكافحة الإرهاب وتمويلها، فضلاً عن اللجوء إلى عمليات القتل الموجّه التي قد تشمل حتى اغتيال مواطنين يحملون الجنسية الأميركية، والاعتماد على وحدات عمليات صغيرة على الأرض، إلى جانب غارات تشنّها طائرات بدون طيار.
إن الإرهاب مصدر قلق كبير في اليمن وعواقبه واسعة المدى. يوم السبت في 4 آب 2012، سقط 40 شخصاً في بلدة جعار ضحية عملية تفجير نفذها مسلحون. ويشمل ردّ الحكومتين اليمنية والأميركية على الهجمات المماثلة، القيام بحملة اعتقالات عشوائية وتهديم منازل وأعمال عنف تؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى ونزوح للمدنيين.
يقول مكتب الصحافة التحقيقية ومقرّه لندن، إنه منذ كانون الثاني عام 2012، سجلت أكثر من 60 غارة جوية أميركية في اليمن، أدت إلى مقتل المئات من المدنيين. في 15 أيار، أصيب منزل مدني بصاروخ يرجح أن طائرةً أميركيةً بدون طيار قد أطلقته، فركض الجيران لاستطلاع ما حدث وإغاثة الجرحى. وروى حسن أحمد عبد الله (19 عاماً)، كيف أنه «بعد حوالي 15 دقيقةً، استهدفت طائرة أخرى المبنى ذاته، ما أدى إلى مقتل 15 شخصاً، بينهم أخي». وأضاف «أصابته الشظايا في الصدر والكبد والعنق، وتعرّض لحروق في 50 في المئة من جسمه».
السكّان الخائفون والمباني المدمرة، كلّها تجتمع في أبين لتكون شاهدةً على الحرب على الإرهاب. دمّر القصف الجوّي والمدفعي معظم المنازل المدنية في منطقة القدّ حيث يسكن بعض أفقر سكّان اليمن. ولم ينحصر القصف في المنازل، بل شمل أيضاً المدارس وحتى مستشفى الرازي الذي يعتبر الأكبر في أبين.
علّق الطبيب النفسي، وهيب سعد، وهو أحد سكّان جعار، على قصف المستشفى واصفاً إياه بأنه «مأساة حقيقية». وأضاف «أعتقد أننا سنعاني من عواقبه لسنوات لاحقة، على الأخص في ظلّ التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في اليمن»، مشيراً أيضاً إلى الصدمة النفسية التي تسببها الاعتداءات المماثلة. الطفل أحمد، صاحب السنوات السبع، لا يتردد في القول «اليوم، حين أسمع صوت طائرة أركض بسرعة إلى المنزل». وتُظهر رسومات أحمد وغيره من الأطفال صوراً مظلمةً للموت والدمار، في دلالة واضحة على أن الأجيال المقبلة ستحتاج إلى ما هو أكثر من التعويض المالي لتتعافى ممّا تعايشه.
وفي ما يرى كثيرون من سكّان أبين أن الضربات الأميركية أكثر دقّة في إصابة الأهداف مقارنةً بتلك اليمنية، إلا أن الغالبية ترى مآسي آثار القصف الأميركي.
فيُنظر إلى الغارات الأميركية على أنها غزو واحتلال وانتهاك للسيادة الوطنية. أحد المواطنين، وهو ينشط كمدوّن، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال «يحق للحكومة اليمنية أن تعتمد على الولايات المتحدة للحصول على المساعدة، ولكن ليس حين تستخدم واشنطن اليمنيين ضد أخوتهم». وأضاف «كانفصالي جنوبي، أرى أننا نخضع إلى احتلالين، من قبل الشمال ومن قبل المسلحين، ولا أريد احتلالاً ثالثاً من قبل الأميركيين».
لم تخلّف الغارات الأميركية الموت والدمار فحسب، بل ظهر أن نتائجها عكسية في ما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب. فمع كلّ ضحية تسقط يزيد زخم المسلحين ويكتسبون أعضاء جدد.
قال الطبيب سعد «تؤثّر هذه الهجمات سلبياً على نفسية الأطفال الذين يسمعون باستمرار: أميركا تقتلكم، ألا كرامة ولا شجاعة لديكم لمحاربتها؟».
ومكّنت تلك الهمجات المسلحين من دفع الناس إلى التشكيك في مبدأ الدولة المدنية الديموقراطية. فيكفي مشاهدة صورة لمسجد دمرته غارة جوية وكتب تحتها عبارة «هذه هي الديموقراطية، حتى المساجد دمرّت»، لإبراز ما يعتقد الكثير من اليمنيين هنا أنه عقيدة الولايات المتحدة.
ساعدت الضربات أيضاً الإسلاميين المتشددين على اكتساب أعضاء جدد. فقد وزّع مسجد في عدن كرّاساً خصص فيه 15 سطراً لادانة التعامل مع الأميركيين. ومما جاء في الكرّاس «أيها المسلمون، هل تعرفون أن الأميركان أصبحوا في اليمن؟ من سمح لهم بقتل أبنائنا وأخوتنا كلّ يوم بواسطة الطائرات بدون طيّار؟»
وساهمت الغارات أيضاً في انتشار المشاعر المناهضة لأميركا في كلّ اليمن. ففي ميدان التغيير في صنعاء، أحرق بعض المحتجين العلم الأميركي في تظاهرة أطلقوا عليها اسم «رفض التدخل الأميركي». وعلى الرغم من الانتهاكات الفاضحة التي يتعرض لها المدنيون، إلا أن الحكومة تصرّ على تجاهلهم فيما لم يتلق معظم الجرحى أي تعويضات.
(ترجم عن موقع «الأخبار» الإنكليزي)






أطفال من دون أحلام



في ظلّ غياب وسائل تحقيق العدالة والإنصاف، يتحوّل أشقاء وأصدقاء وأقارب الضحايا إلى فريسة سهلة للجماعات المسلحة التي تجندهم في صفوفها.
قال أب غاضب من جعار، رفض الكشف عن اسمه، «سأحارب مع الشيطان لأنتقم لطفلي الجريح ذي السبع سنوات». ويرى معظم اليمنيين أن حكومتهم شريكة في الهجمات.
فقد سمح الرئيس السابق، علي عبد الله صالح (الصورة)، للولايات المتحدة باستخدام المجال الجوّي اليمني لشنّ هجمات ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ولا تزال هذه السياسة مستمرةً اليوم في ظلّ الحكومة الانتقالية على الرغم من مشاركة المعارضة السابقة التي كانت تدعو إلى وقف الهجمات. وعلى الرغم من العدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين خلفتهم الغارات الجوية، فإنّ معظم السياسيين البارزين والناشطين، بينهم الصحافية الفائزة بجائزة «نوبل» للسلام توكل كرمان، لم يقفوا إلى جانبهم. خلال التجول في مستشفى ميداني في جعار، سأل الطبيب سعد صبياً «ماذا تريد أن تصبح حين تكبر؟»، كان الصمت جواب الفتى الوحيد. فقال الطبيب معلقًا «أرأيتم؟ هو لا يستطيع أن يحلم حتى، أذكر أنني حين كنت في مثل سنّه أردت أن أصبح طياراً. إن كان هذا الطفل بلا حلم، فنحن بلد بلا أمل».

أنقر هنا للإطلاع على مدونة الصور


أنقر هنا للإطلاع على الخريطة التفاعلية