لا أحد في الغرب يريد تحمّل وزر التدخّل عسكرياً في سوريا. والصحافة الاميركية والفرنسية تعكس هذا التململ حتى لو صدرت دعوات صحافية مباشرة إلى الهجوم على سوريا «فوراً مهما كان الثمن». المحللون الاميركيون يقولون إن على الاوروبيين أن يحسموا أمر انضمامهم الى قافلة العازمين على شنّ الحرب وينقلون أجواءً «إيجابية» في هذا الشأن.
والمحللون الاوروبيون يقولون، من جهتهم، إن كلام الرئيس الاميركي باراك أوباما أخيراً عن «إعادة الحسابات بشأن سوريا في حال استخدمت أسلحتها الكيمائية» هو دليل على نيّة ما في التدخل عسكرياً. وفي حين لم يتخذ القرار الدولي والأطلسي والأممي بشأن الهجوم على سوريا خلال ساعات قليلة كما حصل في ليبيا أخيراً، الا أن الشبح الليبي لا يزال يخيم على بعض المقالات. وقد لفت سجال صحافي فرنسي ــ فرنسي بين دعاة التدخل في سوريا ومن يرفضونه. السجال الفرنسي تزامن مع زيارة وزير الخارجية لوران فابيوس إلى المنطقة بداية الاسبوع الماضي.
بداية مع مقال برنار هانري ليفي، الذي أعاد روح النقاش الى الصحافة الفرنسية حول الشأن السوري. ليفي، المتعطش للغارات الجوية دائماً، دعا صراحة في مقال في صحيفة «لو موند» الفرنسية الى «إرسال طائرات من أجل حلب». ليفي يرى أن «حلب اليوم هي بنغازي الأمس»، ويرفض أي إجابة اخرى غير الموافقة على التدخل عسكرياً في سوريا. ليفي يعيد نفس المعزوفة التي استخدمها في التمهيد للحرب على ليبيا، فيقول إن «هذه الحرب عادلة وضرورية لأنها تنبع من تحمّل مسؤوليتنا في حماية الشعب السوري».
الفيلسوف الفرنسي يعرض في سبع نقاط نظرته لأسباب وطريقة وأهداف التدخل في سوريا. والطريقة حسب ليفي هي «عبر إنشاء «مناطق عازلة» تقترحها تركيا «مناطق خالية من القتل يسيطر عليها الجيش السوري الحرّ المسلّح بسلاح دفاعي» كما تقترح قطر». أما الغرب فيؤمن منطقة حظر جوي بمشاركة طائرات حلف شمالي الاطلسي عبر قواعدها في تركيا، يضيف ليفي. الكاتب يردف «وعلى القوات الجوية أن تفرض أيضاً مناطق غير سالكة، حيث يمنع تنقل الآليات المصفحة من منطقة الى منطقة». حرب برية وجوية وتقطيع أوصال، هذا ما يدعو اليه ليفي باختصار، معترفاً ومقتنعاً بأن «أي تدخل عسكري لحماية المدنيين لن يؤذيهم بقدر ما يفعل النظام الآن».
«قوة بشار الأسد يستمدها من ضعفنا، لذا على أصدقاء الشعب السوري أن يحزموا أمر تدخلهم ويباشروا به والأسد سيفضل النفي على الانتحار»، يخلص ليفي.
لا للتدخل
دعوات ليفي الصريحة إلى تكرار السيناريو الأطسي في ليبيا ومشاركة القوات الفرنسية فيه لاقت بعض الرفض من صحافيين آخرين انتقدوا ما عرضه ليفي، وما يتبناه آخرون من دعاة التدخل العسكري المباشر.
ويليام لوداي، أستاذ العلاقات الدولية، ردّ على ليفي على صفحات «لو موند» أيضاً. لوداي كتب تحت عنوان «كلا، السيناريو الليبي لا يمكن أن يتكرر»، داحضاً الأفكار التي يدعو اليها «التدخليّون» مثل ليفي. لوداي يرى أن «لا الظروف الميدانية ولا الدولية تسمح بتدخل عسكري في سوريا حالياً». الكاتب يرى أن «الثورة السورية تحوّلت الى حرب أهلية، تدعم فيها الأقليات، وبعض المكونات الأساسية في سوريا، العلويين كونهم الحامين لهم».
دولياً، يلفت لوداي أنه إضافة الى الفيتو الروسي ــ الصيني على أي قرار أممي للتدخل في سوريا يجب أن نعرف «أن أي عملية عسكرية في سوريا لا يمكن أن تتحقق من دون مشاركة الولايات المتحدة الاميركية وتركيا». ونظراً للحلفاء الاقليميين لسوريا، يشرح الكاتب أن «التحالف الدولي قد يتحوّل الى طرف في الأزمة».
الصحافي دانييل فيرنيه، المتخصص بالعلاقات الدولية، يفنّد على موقع «سلييت إف إر» ردّه على نظرية ليفي نقطة نقطة. ومن أبرز ما جاء في ردّه قوله إن «الحرب الضرورية والعادلة التي دعا اليها ليفي ليست كذلك لأنه لا يجب اللجوء الى تلك الحرب الا في حال استنفدنا كل السبل الاخرى لحل الأزمة... وهذا ما لم يحصل بعد في الشأن السوري». وحول الطرق التي يقترحها ليفي بإنشاء مناطق حظر جوي ثم مناطق عازلة ومناطق آمنة، ينبّه فيرنيه إلى أن «قرار فرض حظر جوي هو قرار حرب بحدّ ذاته إذ يقضي بتدمير كل السلاح الجوي للبلد المستهدف». فيرنيه يشير أيضاً الى أن ما اقترحه ليفي من مواجهات برية «استمرت أشهراً قبل أن تنتهي في ليبيا فكيف الحال مع الجيش السوري الذي يتفوق بأشواط على الجيش الليبي قوة وسلاحاً؟». أما عن «قوى التحالف» التي ستتولى العمليات العسكرية، فيشكك فيرنيه بمشاركة «الدول الافريقية وتركيا وإسرائيل»، لأن لكل منها حساباتها الأمنية الخاصة. وحول «ضرب محور طهران ــ حزب الله ــ دمشق»، الذي وعد به ليفي، فينبّه فيرنيه أن «ذلك من شأنه أن يشعل المنطقة أكثر مما تفعله الأزمة السورية الآن ويعرّض إسرائيل لهجوم مباشر من حزب الله».
جان دانييل يتوجه في مقاله في مجلة «لو نوفيل أوبسيرفاتور» الى الوزير لوران فابيوس مباشرة بالسؤال «يجب أن نعرف إن كنا مازلنا على استعداد للتفاوض مع النظام السوري أو أننا دخلنا في المسار الليبي بغض النظر عن قرارات الامم المتحدة؟». دانييل يتابع «ولن نتعب من تكرار فكرة أن سوريا ليست ليبيا».

الحرب الدبلوماسية

خارج إطار الردود على «التدخليين»، تحدّثت إيزابيل لاسير في صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية عن حرب أخرى صامتة تدور في الكواليس وهي الحرب الدبلوماسية بشأن سوريا والتي لا تقلّ أهمية عن الحرب الميدانية. وعلى رأس تلك الحرب الدبلوماسية، تقول لاسير، «المملكة العربية السعودية وإيران». لاسير تنقل عن أحد الباحثين قوله إن «السعودية تريد أن تقود العالم الاسلامي وإيران تريد أيضاً أن تحجز لها مكاناً في العالم نفسه بعد سنوات من التخبط في العقوبات والعزلة». لذا «تتصارع تلك القوتان بطريقة غير مباشرة في سوريا». وإذا «خسرت إيران في سوريا ولبنان فإن السعودية وتركيا ستسعيان إلى خلق منطقة سنيّة وصولاً الى العراق، ما سيشكل خطراً كبيراً على إيران». «لذا لا خيار أمام طهران سوى دعم نظام الأسد»، يخلص الباحث في مقال للاسير.
«يد الحديد الثانية في الحرب الدبلوماسية هي روسيا والولايات المتحدة»، تردف الكاتبة. وتشرح أن لروسيا «أسباباً اقتصادية وسياسية واستراتيجية هامة للتحالف مع نظام الأسد ودعمه». لاسير تضيف سبباً آخر للدعم الروسي للأسد وهو «خشيتها من أن تعيد القوى الاسلامية المتطرفة التي ستنشأ في سوريا تحريك جبهات القوقاز وآسيا الوسطى».
الصحافي شهزاد عبدول يعود، في مقال في «لو موند»، الى الصراع المذهبي التاريخي بين السنّة والشيعة. ويشرح مدى تأثيره على الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة اليوم. لكن الكاتب يرى أن «الخلافات الدينية وهوس السعودية بالمؤامرة الشيعية ضدها والعكس، ليس الا واجهة الصراع». عبدول يشرح أن «المحور المعادي للسعودية والمتمثل بإيران وسوريا وحزب الله وحماس ليس محوراً دينياً بل هو يرفض الهيمنة الاميركية على المنطقة». عبدول يختم بالاشارة الى معاني زيارة الرئيس المصري محمد مرسي التاريخية الى إيران قريباً، لافتاً الى أنه «عندما تتخلص مصر من التأثير الاميركي فهي لن تضطر لمعاداة إيران». لكن «تلك الزيارة قد تكون رمزية فقط ما دامت مصر مرتبطة اقتصادياً بدول الخليج حلفاء الولايات المتحدة».



«لعبة بوكر خادعة»

تعليقاً على ما ورد في كلام نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل في موسكو عن استعداد النظام لمناقشة كل الامور مع المعارضة حتى مسألة تنحي الرئيس بشار الأسد، قال بيار برييه في «لو فيغارو»إن «المبادرة هدفها كسب مزيد من الوقت». لكن برييه يضيف أن «الأسد أراد أن يسجل أيضاً نقطة لصالحه ضد المعارضة على صعيد التواصل معلناً عن مبادرة مذهلة». الصحافي الفرنسي رأى أن مكان الإعلان له رمزيته أيضاً، إذ إن إطلاقه من موسكو يعني أن «روسيا تريد أن تلعب دور الوسيط» و«قد تكون الرسالة موجهة للغرب بقدر ما هي موجهة لسوريا». «هل تبحث روسيا عن بديل توافقي للأسد تقبل به جميع فروع المعارضة السورية؟»، يسأل برييه ويستبعد اختيار مناف طلاس الـ «بلاي بوي القاطن في فرنسا». لكن الصحافي يشير الى أن «فاروق الشرع قد يكون الخيار الأنسب للمنصب». برييه لا يستبعد أيضاً احتمال «أن تكون موسكو شريكة للأسد في لعبة البوكر الخادعة الدائرة حالياً».