يقترب الضيف من الشباك الزجاجي الذي يجلس وراءه شاب الاستقبال ليسأله عن أحدهم. يتصل شاب الاستقبال ليقول للضيف «موجود بس بدك تنطر، أو هون أو فوق». لا مشكلة للضيف في الانتظار فقد اعتاده. يظل واقفاً مكانه. بعد دقائق يدعو شاب الاستقبال الضيف إلى الجلوس في غرفة زجاجية أخرى ملاصقة لغرفة الاستقبال، تبدو كأنها كانت غرفة استقبال قديماً واستغني عنها. يجلس الضيف على مقعد خلف اللوح الزجاجي. يبحث في الغرفة القديمة عن جريدة، لا يجد. الكرسي التي يجلس عليه مدولب الأرجل. يثبت يده اليسرى على حائط الغرفة ويدفع نفسه فيجتاز مساحة الغرفة القديمة على كرسيه ليصل إلى الغرفة الملاصقة حيث يجلس شاب الاستقبال. يسأله إذا كان باستطاعته استعارة عدد من جريدة اليوم. فيناول الشاب الضيف السائل عدداً قديماً. يقلّب الضيف أوراق الجريدة التي تناولها للتو مفكّراً «بعض الأشياء المستعملة أفضل من مثيلاتها الجديدة، ومنها الجريدة». يقلّب الأوراق حتى يصل إلى الغلاف. «الصورة رائعة، ابتسامة هاي البنت حتدوّب كل الصعاب حتماً»، هكذا يأمل. كفلسطيني، تلفته صورة غسان كنفاني في الهامش إلى اليسار مثلما اعتاده أبداً. ولا يلفته العنوان الرئيسي المكتوب بخط عريض عن حلف حزب الله والتيار الوطني الحر. تحت صورة غسان كنفاني كُتب «أربعون عاماً وتبقى البوصلة». سرعان ما يحدد أرقام الصفحات المكتوبة في أسفل الهامش إلى اليسار، يصل إليها ويبدأ القراءة. يقاطع انغماسه الجميل شاب الاستقبال الذي يقلّب صفحات جريدة الزائر من بين يديه قائلاً بودّ «شو بدك بهيدي...». يقلّب أربع صفحات رجوعاً عن ذكرى غسان كنفاني، ويقول «هيدي كتير حلوة وقويِة». وخلال هذه الثواني، وقبل الوصول إلى الصفحة المحددة، يستنكر الضيف الذي يحسّ بأنه في حداد لا ينتهي على غسان، يستنكر بينه وبين نفسه قائلاً «إيش أهم من غسان كنفاني، اللي قالت عنه غولدا مائير بأنو أخطر من كتيبة فدائيين؟ ليش هوّي بيعرف مين غسان؟» ويكتم الشاب الحزين على غسان أفكاره. الصفحة التي حددها شاب الاستقبال كانت «بقعة ضوء» على «صياد الميركافا»، كتبت في ذكرى عدوان تموز. عندها يهدأ صديقنا ويقول في نفسه إن هذا المقاتل كان فدائياً فذّاً. لا بل وبقدراته كان ككتيبة من الفدائيين... ليس المقصود المقارنة من كان أخطر، بل كان «تجدد الظهور» هو المقصود. هكذا كان الضيف يفكّر خلال الزيارة وبعدها. فمنذ 2006 لم يظهر مقاتل مثل «صيّاد الميركافا». ومنذ 1972 لم يظهر مثل غسان كنفاني. «جميل أن يكون لنا بوصلة والأجمل هو تجدد الظهور». وهكذا خرجت جملة الشاب الحزين على غسان من ذهنه لتجعله عائداً، وتبقي ذكر المقاوم موجوداً.
* عضو في فرقة الراب «كتيبة 5»