الجزائر | في واحدة من أطرف طرق التعبير عن الغضب، بنى سكان إحدى بلدات ولاية الطارف، في أقصى شمال شرق الجزائر، جداراً بالآجر والاسمنت على طريق عمومية لحمل السلطات المحلية على تنظيم مكبات القمامة التي صارت تزعجهم. وحضر إلى المكان عدد من البنائين والشباب والشيوخ وتعاونوا جميعاً على إقامة جدار وزينوه بالأعلام الجزائرية وأقاموا حوله مهرجاناً مطلبياً دعوا فيه إلى احترام قواعد النظافة والصحة العامة. وعوض أن تستمع السلطات للمطالب الشعبية، أرسلت فرق القمع فهدمت الجدار وفتحت الطريق واعتقلت 7 ممن أقاموا الجدار، ما زاد في تأزيم الوضع. على أثره، أقدم قدماء المجاهدين، وهم من شاركوا في حرب الاستقلال وأعمارهم كلهم تتجاوز السبعين، على بناء الجدار نفسه في المكان، أول من أمس، وتصدوا للسلطات. هذه عيّنة من إبداعات طرق مواجهة الجزائريين للتسيب واللامبالاة في بلدهم، مع تزايد الاحتجاجات التي شهدتها مدن وبلدات الجزائر، بما فيها العاصمة. لكن كل هذه الاحتجاجات المتفرقة رآها البعض مجرد تدريب لاستعراض أقوى مع الدخول الاجتماعي بعد أيام، حيث هددت أقوى النقابات في أهم القطاعات بالإضرابات والخروج إلى الشارع للمطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي وسن قوانين تحمي فئات من المجتمع وإلغاء أخرى ظالمة.
وتستعد نقابات الأساتذة بمختلف مراحل التعليم من الابتدائي إلى الجامعي ونقابات الصحة والإدارة العمومية والنقل وغيرها لطرح مطالب خلال أيلول المقبل، متوعدةً بحركات احتجاجية كبيرة في غياب حكومة تتكفل بها. تفاقم الوضع دفع مصطفى فاروق قسنطيني وهو من الأعوان المباشرين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى دق ناقوس الخطر حين حذر قبل أيام من انفجار اجتماعي مجهول العواقب في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. وقال، في تصريح صحافي، إن الجزائريين تعبوا كثيراً ويعانون مشاكل مزعجة وهم يدركون أنه يمكن تجاوزها لوجود الإمكانيات لذلك.
ودعا قسنطيني، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان وتعمل مباشرة تحت رعاية الرئيس بوتفليقة، السلطات لإيجاد حلول دائمة لمشاكل ظلت لسنوات تؤرق الجميع، في إشارة الى انقطاع الكهرباء في الأسابيع الأخيرة والذي تسبب بانقطاع الماء وأعطال كبيرة في كثير من قطاعات الخدمة العمومية.
ولعب غياب الحكومة دوراً أساسياً في تفاقم الوضع، فهناك سبع وزارات شاغرة من منصب الوزراء بعد انتخاب من كان على رأسها نواباً في البرلمان، إضافةً إلى عدم ظهور أي افق لتشكيل حكومة جديدة تتفاوض بشأن المطالب، مثلما هي الحال بالنسبة إلى قطاع التعليم العالي وهو قطاع نشيط جداً نقابياً، لكنه بلا وزير.
وحتى القطاعات التي ظل وزراؤها في مناصبهم عاجزة عن أداء دورها بسبب الغموض السائد حول مستقبلهم ولا أحد من الموظفين السامين بها يمكنه أن يبادر. كما أن هناك مشاكل عالقة منذ أكثر من عامين وجرى التفاوض بشأنها، لكنها لم تحل وستطرح بحدة هذا الخريف وتشمل خاصة أساتذة التعليم العالي والثانوي والأطباء من أساتذة اختصاصيين إلى مبتدئين في المستشفيات والعيادات، فضلاً عن عمال الإدارة وعددهم يزيد على نصف مليون وعشرات الآلاف من عناصر الحرس البلدي، وهم أفراد الشرطة المحلية الذين كسروا التقاليد واندمجوا منذ نحو عام في حركة الاحتجاج وصاروا من أهم الفاعلين. وهناك دور يلعبه أشخاص ومجموعات تقيم خارج البلاد ومعظمهم من المنشقين عن الجيش والمخابرات أو من جبهة الإنقاذ، في زيادة النقمة لتوفير الأجواء لتوسيع الحراك ليصبح حركة مشابهة لتلك التي شهدتها بلدان «الربيع العربي».