كشف الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، أن فشل عملية لتبادل الأسرى بين الجيش السوري و«الجيش الحر» تحوّل إلى مجزرة في بلدة داريا القريبة من العاصمة دمشق. «داريا بلدة أشباح وأسئلة»، بهذه العبارة استهلّ فيسك مقالته، أمس، في صحيفة «اندبندنت» البريطانية، عن مجزرة البلدة التي سقط فيها 245 ضحيّة. وكتب فيسك أنّ الرجال والنساء الذين تمكّن من التحدث إليهم «رووا قصة مختلفة عن النسخة التي تردّدت في جميع أنحاء العالم، وتحدّثت عن خطف الجيش السوري الحر رهائن وعن المفاوضات اليائسة التي جرت لتبادل الأسرى بينه وبين الجيش السوري، قبل قيام الأخير باقتحام داريا لاستعادتها من سيطرة المتمردين». ورأى فيسك أن إجراء تحقيق واسع في مأساة بهذا الحجم وفي هذه الظروف كان مستحيلاً فعلياً، وقال إنه اضطر في بعض الأحيان، وفي ظلّ مرافقة قوات سورية مسلحة، إلى الركض على طول شوارع خاوية بسبب وجود قناصة «معارضين» للحكومة عند التقاطعات، وإن العديد من العائلات تحصنت داخل منازلها خشية تعرضها لأذى.
وقال الصحافي البريطاني «لم تصدر رسمياً أيّ كلمة عن إجراء مثل هذه المفاوضات، غير أن ضباطاً سوريين بارزين أبلغوه أنهم استنفدوا جميع إمكانيات المصالحة مع قوات المعارضة التي تسيطر على داريا، فيما تحدث سكانها عن محاولة من الجانبين لترتيب عملية لتبادل مدنيين وجنود خارج الخدمة اختطفهم المتمردون بسبب روابطهم العائلية بالجيش على ما يبدو، مع سجناء آخرين في عهدة الجيش النظامي، وحين انهارت المفاوضات عمد الجيش الى اقتحام البلدة». وأضاف إنه «أول صحافي غربي يشهد على الأوضاع في داريا، ودخلها برفقة عناصر من الجيش السوري في عربة مدرعة قديمة. وتمكّن من التحدث إلى مدنيين بعيداً عن مسامع المسؤولين السوريين، وكانت رواياتهم عن عملية القتل الجماعي، التي وقعت السبت الماضي، أكبر بكثير مما كان يُعتقد».
ونقل فيسك عن امرأة عرّفت عن نفسها باسم لينا أنها «شاهدت ما لا يقل عن 10 جثث ملقاة على قارعة الطريق بالقرب من منزلها، بينما كانت تجول في سيارة في داريا قبل دخول القوات السورية إلى البلدة، ولم تجرؤ ومن معها على التوقف». وروت إحدى نساء البلدة أنها قبّلت «رجالاً مسلّحين ومقنّعين» اقتحموا منزلها، في محاولة منها لردعهم عن قتل عائلتها. أما منزل «عامر شيخ رجب» فقد استولى عليه «الجيش الحر» الذي حرق الأسرّة وأخذ الرقاقات الإلكترونية من داخل التلفاز والحاسوب المحمول، ما استدعى تساؤل فيسك: «لصناعة القنابل ربما؟».
كما نسب إلى رجل قوله إنه «يعتقد أن معظم الضحايا لهم صلات بالجيش الحكومي، وكان بينهم العديد من المجندين خارج الخدمة وساعي بريد قُتل لأنه موظف حكومي»، مشيراً إلى أنه إذا كانت هذه القصص صحيحة فإن «المسلحين المقنعين كانوا من المتمردين وليسوا من القوات السورية»، فيما وصف خالد يحيى زكريا كيف قُتلت زوجته وابنته أثناء محاولتهما الهرب على طريق داريا، مُشيراً إلى أن المسلحين أطلقوا النار على عائلته، ظناً منهم أن الشاحنة التي كان يقودها عسكرية وتقلّ عناصر من الجيش النظامي. ولفت فيسك إلى أن الرواية الأكثر إثارة للحزن جاءت على لسان شاب في السابعة والعشرين من العمر يُدعى حمدي قريطم، والذي أبلغه أن «والده ووالدته خرجا لشراء الخبز السبت الماضي، ثم تلقينا مكالمة من هاتفهما المحمول بأنهما قُتلا، لكن والدته لم تمت وأُصيبت بجروح في الصدر والذراع، فيما قُتل والده وقمنا على الأثر بدفنه». ونقل عن حمدي قوله «لا نعرف أين قُتل والدي ومن قتله، وشاهدنا صور المجزرة على شاشات التلفزيون. وذكرت القنوات الغربية أن الجيش السوري يقف وراءها، في حين اتهم التلفزيون السوري الرسمي الجيش الحر».
(الأخبار، يو بي آي)