نيويورك | الكل خاسر في سوريا، حتى الذين لهم مصالح في تدمير الدولة السورية وإزاحتها من معادلة التوازن في الشرق الأوسط يخشون مضاعفات الأزمة السورية على الاستقرار، ولا يضمنون أن تأتي رياح التغيير بما يشتهون. ولكي تتواصل «المقاومة السورية»، كما وصفها وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك مع نظيره البريطاني وليم هيغ، لا بدّ من مساعدة المناطق «المحررة والنازحين في دول الجوار، ومساعدة تلك الدول على استيعاب مئات الآلاف وربما الملايين من النازحين». وفيما استبعد «الحليفان» فرض منطقة عازلة، «لأنها تحتاج إلى تدخل عسكري غير مطروح في الوقت الراهن»، قالا إن الأمور تبقى رهن التطورات على الأرض، خاصة إذا لم يسقط الرئيس السوري. كما هددا بالتوجّه إلى المحكمة الجنائية الدولية لكلّ من يدعم النظام السوري.
وتحدث الوزيران عن صعوبة التفاهم في مجلس الأمن الدولي، ولا سيّما أن روسيا والصين تتمسكان بموقفيهما ضد أي قرار يصدر تحت الفصل السابع من الميثاق. وقال فابيوس، «رأينا أنه يجب أن نعالج الوضع في سوريا على المستوى الإنساني. القانون الإنساني لم يطبّق بتاتاً، وهذا ما سنقوله في المجلس». وتعهدت كل من فرنسا وبريطانيا بزيادة المساهمات للإغاثة ببضعة ملايين إضافية من الدولارات. ولفتا إلى أنهما سيدعوان إلى عقد مؤتمر في الأمم المتحدة على مستوى وزراء التنمية من أجل مساعدة سوريا وزيادة التبرعات لها. فالنداءات التي وجّهت لم تلقَ تجاوباً حتى الآن إلّا ما دون 30 في المئة.
ولم يتمكّن الطرف الفرنسي من جعل جلسة مجلس الأمن الدولي الإنسانية حول سوريا على المستوى الوزاري، إذ غابت الولايات المتحدة وروسيا والصين. وحضر وزيرا خارجية كولومبيا وتركيا، ووزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وائل أبو فاعور، وحضر مسؤولان من وزارتي خارجية كل من الأردن والعراق.
كما تحدث الوزيران الفرنسي والبريطاني عن «يوم ما بعد سقوط الأسد»، وضرورة وضع خطة لمعالجة الوضع في سوريا. لكنهما لم يكونا قاطعين بحتمية السقوط السريع. ودعا هيغ إلى مساهمات سخية من الدول الأخرى لمعالجة النمو المطرد في عدد اللاجئين. وتوعدا بـ«النظر» في الردّ «على استخدام أسلحة بيولوجية أو كيميائية». وتحدث هيغ ونظيره الفرنسي عن المعارضات المشتتة «التي تحتاج إلى التوحيد حول برنامج سياسي يضمن حقوق الأقليات ويحترم القانون الدولي»، ولفت فابيوس إلى أنّ فرنسا وآخرين يشجعون على تجميع المعارضات وتوحيدها، وأنها تساهم في الطلب بأن تكون القوة المعارضة واسعة وشاملة إلى أقصى الحدود وأن تحترم كافة الجاليات العلوية والشيعية والمسيحية. لكن بعد أن يحدث هذا التمثيل الواسع، عندها على الدول الاعتراف بهذا الكيان وأوّلهم ستكون فرنسا». وأكدا أنهما سوف يعملان من أجل ذلك.
وأشار وليام هيغ إلى أنّ «جهودنا مع روسيا والصين باءت بالفشل. لكن اليوم في ظل غياب الاتفاق على تطبيق خطة أنان، نركّز على كل ما يمكن عمله من أجل مساعدة مئات الآلاف وملايين السوريين». وكرّر فابيوس توقعه سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. ووصف الجهد الدبلوماسي في الأمم المتحدة بأنه عمل شاق، «لكننا مستعدون لبذل كل ما بوسعنا». وعن تهديد أنقرة بوقف استقبال النازحين ما لم يكن توفّر منطقة تحظى بحماية دولية داخل سوريا، ردّ فابيوس: «تباحثت مع هيغ في الأمر، ولا نستطيع القول نعم أو لا. علينا مناقشة ذلك. علينا التحدث من وجهة نظر القانون الدولي. وإذا أردنا تقديم المساعدة لآلاف الناس يجب أن يكون هناك وسائل عسكرية. لكن في الظرف الراهن نشعر بأن علينا أن نعير الاهتمام للمناطق التي تحررت وتخضع لسلطة المقاومة. ويجب تقديم المساعدة لها».
وفي السياق نفسه، حذّر نائب الامين العام للأمم المتحدة، يان الياسون، في بداية الاجتماع الوزاري، من ان اقتراحات اقامة مناطق عازلة آمنة في سوريا تثير «تساؤلات جادة» وينبغي دراستها بعناية. وقال «مثل هذه المقترحات تثير تساؤلات جدية وتحتاج للنظر فيها باهتمام وحساسية.»
بدوره، وفي كلمة أمام مجلس الأمن، انتقد المندوب السوري، بشار الجعفري، الحملة العربية والدولية على محاولات الحل السياسي في سوريا، مستعرضاً جملة من العبارات التي قيلت منذ الإعلان عن خطة المبعوث السابق كوفي أنان. وشدّد على ضرورة أخذ العبرة من «الكوارث والمصائب والويلات التي نجمت عن سياسات التدخل الخارجي لبعض القوى الدولية النافذة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء».
ورأى الجعفري أنه «من غير المفهوم حقاً أن تشارك بعض الدول في تقديم المساعدة الانسانية، وفي ذات الوقت تفرض تلك الدول إياها عقوبات اقتصادية جائرة تركت تداعيات إنسانية خطيرة على مجمل حياة الشعب السوري». وقال إن «الطريقة المثلى لمساعدة الشعب السوري تكمن في معالجة الأسباب التي أدت إلى معاناته، إذ أن استمرار الجماعات المسلحة المدعومة خارجياً في تدمير مختلف سبل العيش هي كلها أمور تقف بشكل مباشر وراء المعاناة». وتابع «إن ما يخطط الآن لسوريا، في بعض العواصم، شيء وما يريده الشعب السوري من اصلاح حقيقي وانتقال إلى حياة أفضل هو شيء آخر تماماً».
إلى ذلك، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنّ مناف طلاس، «أبرز منشق عسكري سوري»، يقول إن مفتاح التحوّل السياسي في البلاد يكمن في توفير «شبكة أمان» تقنع العلويين بأنهم لن يذبحوا إذا ما انشقوا عن الرئيس بشار الأسد. ونقلت عن طلاس قوله إن «همي الرئيسي هو إقناع العلويين بأنهم لن يُضطروا للانتحار مع النظام». وقال طلاس إنه «قبل أن يكون هناك تحول سياسي يجب أن يكون هناك أولاً قناة ثقة بين الجيش السوري الحر وأفراد الجيش، الذين يمكن التصالح معهم والذين هم على استعداد للانشقاق».