الخرطوم | النشرة الصحافية التي أرسلتها البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور للصحافيين، وتفيد فيها بأن ثمانين في المئة من سكان معسكر كساب في شمال دارفور قد بدأوا العودة للمعسكر، جعلت الكثير من المتابعين لملف الإقليم يعيدون النظر في التقارير التي تتحدث عن عودة الاستقرار في الإقليم، ولا سيما تلك الصادرة عن الحكومة السودانية. وأشارت النشرة، أول من أمس، إلى أن أعداداً مقدرة من نازحي المعسكر البالغ عددهم خمسة وعشرين ألف نازح بدأوا العودة إلى مساكنهم، عقب الهجمات التي تعرض لها معسكرهم على أيدي مسلحين، بعد مقتل معتمد محلية كتم في الأول من الشهر الماضي على يد مجهولين، والذي تبعته هجمات لا تخلو من طابعها القبلي. وكانت الحكومة السودانية قد تحدثت مراراً عن تحسن الأوضاع الأمنية والإنسانية في إقليم دارفور، منذ أن شرعت في تنفيذ بنود اتفاق سلام دارفور، الذي وقعته مع متمردي حركة التحرير والعدالة، في دارفور في العاصمة القطرية الدوحة في الرابع عشر من تموز 2011 برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية بعد ثلاثين شهراً من المفاوضات المستمرة.
الأمين العام لحركة التحرير والعدالة، بحر أبو قردة، وهو أحد الذين حملوا السلاح في وجه الخرطوم قبل أن تقوده اتفاقية الدوحة إلى الجلوس على كرسي وزارة الصحة السودانية، أبدى عدم ارتياحه لتنفيذ اتفاق السلام الذي وقعته حركته مع الخرطوم بعد أن مضى عليه أكثر من عام. وعبّر أبو قردة عن تخوفه من الاخفاقات والمخاطر، التي تواجه تنفيذ الاتفاق، ولا سيما في جوانب الترتيبات الأمنية وتوزيع السلطة والثروة. وقال أبو قردة «إن الأهالي لم يشعروا بأن الاتفاق قد أثمر على أرض الواقع، لأن هناك مشروعات كبيرة يجب أن تنفذ وهذا هو الذي يجب أن يشعر به المواطنون».
ويعتبر اتفاق الدوحة لسلام دارفور، نسخة معدلة لاتفاق كانت الحكومة السودانية قد أبرمته مع حركة جيش تحرير السودان فصيل مني أركو مناوي عام 2006 في العاصمة النيجيرية أبوجا، نصّب بموجبه رئيس الحركة مساعداً للرئيس السوداني. لكن الاتفاق عانى ذات الأعراض التي يعانيها اتفاق الدوحة الآن.
وأدى انهيار اتفاق أبوجا إلى خروج مناوي من القصر الجمهوري بالخرطوم إلى ميدان القتال في دارفور مرة جديدة. وأصبح مناوي أحد القادة المؤسسين لما يسمى بتحالف الجبهة الثورية المتحدة، وهو تحالف يضم الحركات الدارفورية المتمردة والحركة الشعبية لتحرير السودان ــ قطاع الشمال، وتقاتل فصائله الحكومة بهدف اسقاطها.
ويرى الصحافي السوداني، طلال الطيب، المتخصص في ملف إقليم دارفور، أنه بات من الضروري أن تجد الحكومة السودانية طريقاً تتفاوض به مع الحركات التي لا تزال تحمل السلاح في الإقليم، وهي العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، تحرير السودان برئاسة عبد الواحد نور، وجيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي. وأوضح الطيب لـ«الأخبار» أن «هذه حركات لها وزنها، وتجاهلها من قبل الحكومة يعني تكريس مبدأ التعامل مع أزمة دارفور بالتجزئة، وهذا هو سبب تعميق الأزمة وانهيار كل الاتفاقات السابقة».
ويعتبر العنف القبلي الهاجس الأكبر أمام الحكومة حيث تتقاتل مجموعات قبلية في الإقليم بشكل مستمر، فيما مثل جبهة جديدة للقتال تضاف لجبهة القتال التي يدور بين الحكومة ومجموعات المتمردين.
ورغم تشابك خيوط المعادلة بين المجموعات القبلية والمتمردين وحتى الميليشيات الموالية للحكومة، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن الأزمة أخذت الطابع القبلي بصورة أكبر من السياسي، وهو ما عقّد الأمور في وجه الوسطاء الدوليين، وقلل حتى من المبادرات التى كانت تطرح في الأوقات السابقة.