اللقاء العاصف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والسفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، والتعابير غير الدبلوماسية التي وردت فيه، تشير بوضوح إلى حجم الضغوط والفجوة القائمة بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي في مقاربة التهديد النووي الإيراني، فيما عزَّز تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أكد أن عدد أجهزة الطرد المركزي في منشأة فورد الإيرانية، بلغ 2140 جهازاً، المخاوف الإسرائيلية من أن إيران ماضية في برنامجها النووي، وكشف لصانع القرار في تل أبيب عن عقم الرهان على العقوبات، الأمر الذي يعني أن إسرائيل ستعمل على استغلال التقرير للترويج لخيار عسكري فوري.
وأفاد تقرير صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن نتنياهو وجه انتقادات حادة ولاذعة للرئيس الاميركي باراك أوباما، خلال لقائه عضو الكونغرس الجمهوري، مايك روجرز برفقة شابيرو، متهماً إياه بأنه «بدلاً من الضغط بشكل فاعل على إيران، يضغط أوباما ورجاله علينا من أجل عدم مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية». كذلك انتقد بشدة اعلان الإدارة الأميركية أنه لا يزال هناك مجال للدبلوماسية، مؤكداًً أن «الوقت قد نفد».
هذه الانتقادات الحادة دفعت السفير الأميركي، الذي كان على مدى السنوات الماضية من أكثر مستشاري أوباما قرباً له، إلى الاقدام على خطوة غير مقبولة بالمعايير الدبلوماسية، عندما قال لنتنياهو «هذا يكفي» وطلب أخذ الحق بالكلام. ورد على نتنياهو بأسلوب مؤدب ولكن حازم. واقتبس شابيرو العديد من مواقف للرئيس الأميركي التي أكد فيها أنه لن يسمح بإيران نووية، وبأن كل الوسائل، بما فيها الهجوم العسكري، موجودة على الطاولة، في اتهام ضمني لنتنياهو بأنه يزوّر الحقائق.
ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن محافل سياسية مطلعة على الحدث، قولها إن «البرق والشرار تطاير» في الغرفة، حتى وصل إلى حد التراشق بالكلام في ظل ذهول روجرز. والأجواء التي سادت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والسفير الأميركي، تعكس إلى حد كبير الأجواء التي ستكون مخيمة على اللقاء المرتقب بين أوباما ونتنياهو، في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. لكن اللقاء المرتقب سيكون بالتأكيد أكثر أدباً وانضباطاً ولا سيما أن الرئيس الاميركي يحتاج قبل شهر من الانتخابات إلى صورة مبتسمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وفي السياق، اعتبرت الصحيفة أنه يتعين على نتنياهو، في حال فوز أوباما أن «يجد ملجأ يحميه من انتقام الرئيس الأميركي في ولايته الثانية».
في موازاة ذلك، دخلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، على خط الضغوط على إسرائيل. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر إسرائيلي رفيع المستوى قوله إنه قبل نحو عشرة أيام، بادرت ميركل إلى الاتصال بنتنياهو بعد «قطيعة شبه تامة بين مكتبي المسؤولين استمرت نحو شهرين». وقالت له إنه «ينبغي السماح بوقت اضافي للعقوبات والدبلوماسية».
في هذه الأثناء، رأى نائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعلون، أن المسافة التي تفصل بين إيران والقنبلة النووية لا تقاس بالسنوات «وإنما بأشهر معدودة»، مشيراً إلى أنه يجب على إسرائيل أن تستعد لامكانية قيامها بعملية عسكرية أحادية ضد إيران.
أما وزير الاستخبارات، دان مريدور، فوصف الحديث العلني عن الخيار العسكري الإسرائيلي بأنه «عديم المسؤولية وفضائحي»، فيما تحدث مستشار رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، دوف فايسغلاس، عن عدم يقينه حول ما اذا كان نتنياهو وباراك سيهاجمان أم أنهما يهدفان إلى سحب التزام أكبر من الأميركيين.
من جهته، رأى المعلق الأمني في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، انه بالرغم من صعوبة الاعتماد على أن يخرج رئيس أميركي للحرب بدلاً منا، إلا أن هناك العديد من الاعتبارات تفرض على إسرائيل ضبط النفس.
ولفت إلى «الرهان على سقوط النظام السوري الذي سيوفر للجيش الإسرائيلي البيئة التي تسمح له بضرب حزب الله، ولا سيما أن «المتمردين، سبق أن دمروا بطاريتي صواريخ مضادة للطائرات في سوريا»، وهو ما يشكل نموذجاً لإسرائيل، الأمر الذي يفرض علينا الانتظار وعدم المسارعة إلى مهاجمة إيران».
ولفت يشاي إلى أنه في الوقت الذي يواصل الإيرانيون فيه تطوير برنامجهم النووي وصواريخهم على مختلف أنواعها، كذلك فإن الصناعات العسكرية الإسرائيلية تطور الذراع الاستراتيجية الطويلة المدى التابعة للجيش، وبالتالي يمكن لإسرائيل الانتظار إلى حين توفر قدرات لدى الجيش لتقليص منطقة الحصانة لدى إيران.
وأكد أن الأمل الحقيقي بوقف البرنامج النووي يتمثل بإسقاط النظام، أو عبر ضغوط تؤدي إلى تغيير السياسة. لكن السبب الأهم، الذي يدفع إسرائيل الى مزيد من الانتظار، يتمثل، وفقاً ليشاي، بعدم وجود اجماع إسرائيلي يدعم مهاجمة إيران.