باريس | شكّل إعدام تنظيم «التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا» لنائب القنصل الجزائري، الطاهر تواتي، في غاو (شمال مالي)، صدمة قاسية للرأي العام الجزائري ، ولا سيما أن التنظيم المتطرف حرص على التذكير بأنه، قبل تنفيذ الإعدام، منح الحكومة الجزائرية مهلة إضافية لتلبية مطالبه المتعلقة بإطلاق سراح نشطاء جهاديين معتقلين لديها، لكن «تعنت النظام الجزائري في التعاطي مع مطالبنا أدى إلى تنفيذ الإعدام». وأثار إعدام نائب القنصل جدلاً محتدماً حول الكيفية التي أدرات بها السلطات الجزائرية المفاوضات مع التنظيم الجهادي، منذ اعتقال سبعة من دبلوماسييها في شمال مالي، خلال شهر نيسان الماضي، ومنهم القنصل الذي أُعدِم. وتساءل بعض المحللين الجزائريين إن كانت حكومة الجزائر قد «تعمدت التضحية بقنصلها المختطف، إرضاءً للحكومات الغربية، حتى لا يُقال عن الجزائر إنها تتفاوض مع الإرهابيين».لكن العارفين بخفايا لعبة الاستخبارات الإقليمية في شمال مالي، منذ إعلان انفصال الأزواد، رأوا في إقدام «التوحيد والجهاد» على إعدام القنصل الجزائري تطوّراً غير متوقع ينبئ بإعادة توزيع جذرية لموازين القوى والتحالفات السرية في المنطقة. وتستند هذه التحاليل إلى العوامل الخفية التي أسهمت في بروز حركة «التوحيد والجهاد» وبسط نفوذها بسرعة في أغلب مناطق شمال مالي.
وكان «التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» قد انشق عن «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، في صيف 2011، وأعلن رسمياً بدء نشاطاته المسلحة في 12 كانون الأول الماضي. ثم برز بقوة إلى الواجهة، مع تفجر أحداث انفصال الأزواد. واستفاد من التحالف القوي الذي أُبرم بينه وبين تنظيم «أنصار الدين»، الذي أسّسه الزعيم الطوارقي، إياد آغ غالي، في شباط الماضي، ليكون بمثابة «جناح إسلامي للحركة الأزوادية».
التحالف بين «أنصار الدين» و«التوحيد والجهاد» أثار ارتياب غالبية الخبراء في شؤون الطوارق. وتوجست بقية قادة الحركات الأزوادية من أن تكون الاستخبارات الجزائرية هي التي دفعت إياد آغ غالي إلى قطع حبل السرة مع جبهة تحرير الأزواد، والتحالف مع «التوحيد والجهاد». ويعد آغ غالي «رجل الجزائر» في أوساط طوارق شمال مالي، وصلاته بالاستخبارات الجزائرية معروفة منذ «ثورات الطوارق»، في منتصف التسعينيات.
ورغم ما رُوِّج له إعلامياً بخصوص «تحوّل آغ غالي إلى سلفي متطرف خلال فترة توليه منصب قنصل مالي في جدة» (2003-2011)، إلا أن العارفين بخفايا اللعبة الاستخبارية الإقليمية شككوا في ذلك. ورجّحوا أن يكون الأمر مبيتاً من قبل الاستخبارات الجزائرية ضمن خطة تهدف إلى تشجيعه على تأسيس «أنصار الدين» ثم التحالف مع «التوحيد والجهاد»، لتقوية هذا التنظيم، أملاً في إضعاف غريمه، الجناح الصحراوي لـ«القاعدة في المغرب الإسلامي»، الذي توجد قيادته المركزية في معاقل الأصوليين في شمال الجزائر .
ومن القرائن التي تؤكد صحة هذه التوقعات، أن حبل السرة لم ينقطع بين آغ غالي والاستخبارات الجزائرية بعد تأسيسه لـ«أنصار الدين». فعندما تعرّض لإصابة، خلال آذار الماضي، توجهت مروحية عسكرية جزائرية خصيصاً إلى «غاو» لنقله إلى «تامنراست»، في الجنوب الجزائري، للتداوي.
انطلاقاً من هذه الخلفيات، ساد الاعتقاد بأن السلطات الجزائرية تمتلك وسيلة ضغط قوية على «التوحيد والجهاد»، عبر آياد آغ غالي. لذا، كان إعدام القنصل الطاهر تواتي أمراً غير متوقع، بالرغم من انقضاء المهلة التي حدّدها خاطفوه. الشيء الذي يثير أكثر من تساؤل: هل أعاد آغ غالي النظر في صلاته «التاريخية» مع أجهزة الأمن الجزائرية؟ أم هل رُجِّحت الكفة في غير مصلحته في صفوف تحالف «التوحيد والجهاد» و«أنصار الدين»؟ أم هل انتقل القنصل المختطف، لسبب غير معروف، إلى أيدي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، لإعدامه انتقاماً لقادة التنظيم الذين قُتلوا الأسبوع الماضي في كمين، شرق العاصمة الجزائرية؟