بعد الرسائل الأميركية، المباشرة والضمنية، والتقارير الإعلامية عن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرس تحديد خطوط حمراء لإيران، تلقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الرسالة، معلناً أنه «كلما كان الخط الأحمر الذي تضعه الأسرة الدولية أمام إيران أكثر وضوحاً فإن احتمال اندلاع مواجهة عسكرية معها يصبح ضئيلاً».
وقال نتنياهو، خلال لقاء مع مجموعة من جرحى الحرب الإسرائيليين والأميركيين، إن «موقف الأسرة الدولية إزاء البرنامج النووي الإيراني لا يزال مفتقراً الى الحزم المطلوب من أجل كبحه».
يأتي موقف نتنياهو في الوقت الذي اعتبرت فيه صحيفة «معاريف» أن ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، عن خطوط حمراء سيعلنها أوباما، سيُهدئ من روع رئيس الحكومة الإسرائيلي، ويدفعه الى إرجاء الخيار العسكري في الوقت القريب.
كما أكدت «معاريف» أن أحد أسباب تصريحات نتنياهو حول الخط الأحمر الواضح، هو وجود خشية في إسرائيل من إقدام الولايات المتحدة على توجيه إنذار علني له يُحذّر من شن هجوم عسكري أحادي ضد إيران، الأمر الذي من شأنه أن يُلحق أضراراً فادحة بقوة الردع الإسرائيلية.
ولفتت «معاريف» إلى أن الإدارة الأميركية، تعمل مع إسرائيل في هذه الأثناء على بلورة رزمة خطوات من شأنها أن تمنع شن هجوم عسكري إسرائيلي على إيران قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني المقبل. وبموجبها ستوافق الإدارة الأميركية، في إطار تلك الخطوات، على منح إسرائيل طائرات خاصة لتزويد الوقود في الجو، وقنابل متطورة قادرة على اختراق تحصينات تحت الأرض بعمق 60 متراً، فضلاً عن أنها ستتضمن مزيداً من العمليات السرية ضد البرنامج النووي الإيراني، ومن إجراءات تضييق الخناق على صناعة النفط الإيرانية.
الى ذلك، أكد المعلق السياسي في «معاريف» عوفر شيلح، أن كل الدلائل تشير الى تراجع نتنياهو عن خيار مهاجمة إيران بشكل أحادي قبل الانتخابات الأميركية، وأنه اقتنع بضرورة تأجيلها الى ما بعد 6 تشرين الثاني المقبل، وخاصة بعدما اكتشف، في الأيام الأخيرة، بأنه بالغ كثيراً في خطابه، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. كما أكد شيلح أن نتنياهو أدرك أيضاً مبالغته في الربط بين احتمال الهجوم على إيران وموعد الانتخابات في الولايات المتحدة، بحجة أنه إذا ما أعيد انتخاب أوباما فإن هذا من شأنه تقييد يد إسرائيل.
في السياق نفسه، نقلت «معاريف» عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، قوله أمام محدّثيه، إنه إذا ساعدت الولايات المتحدة إسرائيل في تحسين قدراتها، فإنه سيكون في الإمكان تأجيل قرار الهجوم. ورأى شيلح في كلام باراك أن هذه هي طريقته في تمييع مصطلح «منطقة الحصانة» النووية، في إشارة الى تطور منشأة «فوردو»، الذي اخترعه، ولم يأخذه أحد داخل الطاقم الأمني على محمل الجد.
رغم ذلك، شككت مصادر سياسية اسرائيلية رفيعة بما قيل عن ان اوباما ينوي تحديد «خطوط حمراء» لإيران، داعية الى قراءة ما ورد في «نيويورك تايمز»، وخاصة أن هذا الموقف تم نقله عن شخصيات في محيط الرئيس وليس قرارات نهائية اتخذتها الإدارة الأميركية، ومن غير الممكن أن يعرف احد الى اين ستنتهي وإلى اين ستقود.
أيضاً، شدد مصدر سياسي اسرائيلي رفيع على أن «من يعتقد بأن الولايات المتحدة تعمل مثل خطة واقعية، فهو مخطئ، مشيراً الى انها دولة عظمى وتعمل بشكل محدد، عبر انتاج ائتلاف ومن خلال مجلس الأمن، ومن غير الممكن توقع أن يلتزم الرئيس بتاريخ محدد، واصفاً ذلك بأنه «غير واقعي».
في المقابل، شكك مسؤولون رفيعو المستوى في واشنطن بما قيل عن تغيير نتنياهو لهجته، وعبروا عن اعتقادهم بأن أوباما سيتعهد علانية بالعمل عسكرياً ضد ايران إذا ما نفذت قفزتها باتجاه انتاج سلاح نووي، لكن «يبدو أن هذا الموقف لا يكفي القيادة الإسرائيلية».
من جهة أخرى، أعرب مسؤولون في المنظومة السياسية الاسرائيلية عن مخاوفهم من إمكان ان يكون نتنياهو يعمل على حشر المؤسسة الأمنية «وجعل ظهرها الى الحائط» كي يدفعها الى تأييد الخيار العسكري، ولهذه الغاية قرر نتنياهو وباراك عدم إجراء حوار مع الغرب، كي يتمكن من إقناع الجمهور وصناع القرارات، لدعم شن هجوم إسرائيلي أحادي.
هذا في الوقت الذي ذكر فيه المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن التقديرات في الولايات المتحدة تتعزز حول أن إسرائيل لن تهاجم المنشآت النووية الإيرانية قبل الانتخابات الأميركية، يصل رئيس الاستخبارات العسكرية، الـ«سي .آي. إيه»، ديفيد بترايوس، الى اسرائيل لإجراء محادثات مع القيادة الإسرائيلية في الأيام المقبلة، من أجل اقناعهم بجدية الولايات المتحدة بالعمل ضد إيران، إذا ما تطلب الأمر ذلك.