رام الله | كانت السابعة صباحاً بتوقيت مدينة القدس المحتلة، ساعة الذروة في الشوارع الرئيسية. الحركة الاعتيادية في هذا الوقت هي خروج الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، والجميع إلى أعمالهم، لكن الوضع، أمس، لم يكن كأي يوم آخر، فقد أُغلقت مختلف مفترقات الطرق في المدن الفلسطينية الرئيسية، من خلال آلاف الشاحنات الكبيرة وسيارات الأجرة العمومية، احتجاجاً على ارتفاع أسعار المحروقات، والذي أدى بالتالي الى رفع أسعار كافة المواد الغذائية الرئيسية. وعلّقت نقابة سائقي السيارات العمومية في الضفة الغربية العمل من السابعة صباحاً حتى التاسعة، واكتفت بعدها بنقل الركاب في مختلف مناطق الضفة الغربية، جزئياً، احتجاجاً على رفع أسعار المحروقات وفرض الضرائب وغلاء الأسعار. كما أضرب الآلاف من أصحاب المركبات العمومية لمدّة ساعتين في الضفة الغربية، احتجاجاً على الغلاء، وارتفاع أسعار الوقود. وتسبب تعليق العمل في أزمة مرورية كبيرة، بما أن مئات آلاف المواطنين من الموظفين وطلبة المدارس والجامعات يتوجهون إلى أعمالهم خلال هذا الوقت. وهدّد السائقون بإعادة الإضراب يوم الاثنين المقبل بشكل شامل وكبير، وتعطيل الحركة في حال لم تستجب حكومة سلام فياض الى مطالبهم بإعادة أسعار المحروقات الى ما كانت عليه في السابق.
واستطلعت «الأخبار» آراء المواطنين والناشطين في الضفة الغربية عن الحراك الشعبي ضدّ غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وقال أحمد البرغوثي من رام الله «أنا مع أن يكون من حق المواطنين التعبير عن رأيهم بشكل سلمي، وخصوصاً أن الوضع أصبح لا يطاق». ورأى أن الوضع السياسي تائه «ولا تكاد ترى نوراً في آخر النفق، والوضع الاجتماعي تمزق ما بين محافظة ومحافظة، عائلة وعائلة، والوضع المالي حدّث ولا حرج من البطالة والتضخم والفقر والواسطة والمحسوبية، هذا عدا الاحتلال وانتهاكاته اليومية من مستوطنين، لحكومة يمين متطرف، لجدار يخنق البشر والحجر».
وأعرب البرغوثي عن اعتقاده بأن كل هذه الأسباب هي «أدوات ضغط لا بد أن تؤدي الى انفجار الشارع، فإن لم تكن ضدّ الغلاء فستكون ضدّ الاحتلال بانتفاضة ثالثة، وان لم تكن هذه أو تلك فستكون بمطالب شعبية من خلال ثورة حقيقية لرحيل السلطة».
من جهته، قال سامي عوض من بيت لحم «أشعر بأن هناك فجوة آخذة في التزايد بين الشعب والسلطة، حيث الناس لا يشعرون بأنهم جزء من السلطة، والسلطة لا تمثل رغبات الشعب وتطلعاته». واعتبر أن «عدم وجود انتخابات، وعملية ديموقراطية حقيقية ووحدة ورؤية مشتركة للمستقبل هي جزء من المشكلة». وأضاف «أنا أؤيد حق الشعب في الاحتجاج بشكل سلمي بخصوص قضاياه، وأود رؤية هذا الحراك ليس فقط من أجل إلقاء اللوم والشكوى ولكن للدخول في المجتمع، والسؤال عن مسؤوليتنا في مواجهة مثل هذه التحديات، وما هي القضايا الأساسية التي تحتاج إلى طاقتنا من أجل خلق مستقبل أفضل، بدلا من التعامل مع الأعراض لا مع السبب الحقيقي للأزمات الاقتصادية».
ومن القدس المحتلة، تحدثت «الأخبار» مع رولين تفكجي التي رأت أن «طلب اسقاط سلام فياض، هو تصرف غير مسؤول، لأن الذي يعلم بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينية يكتشف أن فياض لم يكن موجوداً حينها، وهو بالتالي عبارة عن كبش فداء قبل موعد حدوث الانتخابات المحلية، ويكون السيناريو التالي: نُسقط فياض ونرمي كل أعباء اتفاقية باريس الاقتصادية عليه، وبعدها يأتي سياسيون ويروجون في الانتخابات المحلية للأفكار التي لا نفهمها أصلاً، وينجحون في الانتخابات». وختمت تفكجي حديثها بالقول «أتمنى أن نطالب بإسقاط اتفاقية باريس الاقتصادية، بدل إحراق صور فياض والمطالبة بإسقاطه أو استقالته وحكومته».
رامي دعيبس، من جنين، اعتبر أن «التظاهر هو حق مشروع للمواطن، وهو تعبير عن الغلاء الفاحش للأسعار بالمقارنة مع نسبة الدخل». وأضاف أن «الوضع أصبح بأن المواطنين أغلبهم مرهونون برواتبهم وبقروض البنوك، وبالتالي يعيشون حالة من الضغط المالي والمعيشي الكبير».
أما أكرم النتشة، من الخليل، فكان أكثر صراحة، وقال إن «الغلاء الأخير كان القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فالمواطن الفلسطيني يعاني من حالة من الفقر والبطالة منذ فترة، وكل ما تلقّاه من وعود كان هباء، ولم يجن على أرض الواقع سوى ضرائب جديدة، ورسوم باهظة تتلقاها السلطة الفلسطينية على المعاملات، وبالتالي فإن تراكم هذا الغلاء على المواطن على مر السنوات الماضية أدى الى تفجر الحالة في هذه الأيام وقد يتطور الأمر أكثر».
وأعرب النتشة عن اعتقاده بأن المشاركة الشعبية تزداد في الفعاليات يوماً بعد يوم، وقد يتطور الأمر الى أبعد من ذلك اذا لم تتخذ السلطة إجراءات تقنع المواطن الفلسطيني، وخصوصاً أن الاحتجاج مغلف بغلاف اقتصادي، ولكنه يحمل في طياته احتجاجاً على مجمل اداء السلطة والحكومة الفلسطينية.
الطالب خليل سامي، كتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، يقول «نذهب إلى المدرسة دون أن نحمل مصروفاً في جيوبنا، أو طعاماً نأكله، وثيابنا بالية، ثم يطلب منا أن ننشد: موطني ... موطني!».



قال رئيس الحكومة، سلام فياض، أمس، إن السلطة تبذل أقصى ما لديها لمعالجة الأوضاع المعيشية. واعتبر خلال لقائه وزير الخارجية الإيطالي جيوليو تيرزي في مكتبه بمدينة رام الله أن «استمرار وضع العراقيل الإسرائيلية أمام السلطة لتنمية مناطق «ج»، وعدم تمكيننا من السيطرة على الموارد فيها، ونظام التحكم والسيطرة بما في ذلك الحصار على غزة.. السبب الأساسي بتعطيل قدرة الاقتصاد الفلسطيني على النمو، ومعالجة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها شعبنا».
(يو بي آي)