مخيم الزعتري | تجلس اللاجئة السورية، فادية، أمام خيمة في مخيم الزعتري (75 كيلومتراً شمال شرق الأردن) تبرعت بها منظمة اليونيسيف، تقلّب ناظريها في السماء كأنما تنتظر هبوط الفرج. تنهمر الدموع من عينيها بصمت وهي تهدهد رضيعاً شاحباً يسعل بشدة ويبكي بلا انقطاع. تتنهد والحسرة تلف صوتها قبل أن تقول «يا ليتني مت قبل أن أفر إلى هذه الصحراء، الموت أفضل من حياة بلا كرامة».
وبينما تحلّق حولها أطفالها الثلاثة، معن ويزن وسمية، بثيابهم الرثة المتسخة وقد حفر البؤس على محياهم كآبة عميقة، تشكو فادية معاناتها قائلةً: «ولدي مراد كلما تعافى مرض ثانية بسبب حساسيته من الغبار الكثيف». وتضيف «حتى الحيوانات لا تستطيع أن تعيش هنا».
حال فادية يعكس صورة لواقع معاناة مأساوية يكابدها قرابة 23 ألف سوري في مخيم الزعتري، دخلوا إلى الأردن بطريقة غير مشروعة، بعدما هربوا من سوء الأوضاع في بلادهم، وفقاً لما يؤكده مدير التعاون والعلاقات الدولية في المفوضية السامية للاجئين، علي بيبي، لـ«الأخبار».
ويعاني اللاجئون أوضاعاً صعبة في المخيم الذي بات أشبه بسجن كبير تلتف حوله الأسلاك الشائكة، وتحيط به الحراسات، فيمنع الدخول أو الخروج منه إلا بإذن من السلطات الأمنية. الغبار يتطاير من كل صوب وحدب، يسفع وجوه اللاجئين في ظهيرة لاهبة، ويقتحم خيمهم التي تعصف بها الرياح كأنها مارد متوحش يريد اقتلاعها.
غير أن تردي الواقع المعيشي في «الزعتري» لا يقتصر على درجة حرارة عالية في مخيم صحراوي، غباره يعمي العيون، بل يمتد إلى الاصطفاف لأوقات طويلة على طوابير المياه، وجبات الطعام، والليل الحالك، الذي تغيب عنه الكهرباء والأغطية في برد قارس.

«الضغط يولد الانفجار»

يبدو أن «الزعتري» بات يمثّل مصدر قلق للحكومة الأردنية، بعدما تصاعدت حدة الشكوى وانعكست في ثلاثة اشتباكات بين رجال الشرطة واللاجئين، كان آخرها الأربعاء قبل الماضي، نتج عنها اصابة 28 دركياً، اثنان منهم حالتهما خطرة. وهو ما دفع رئيس الوزراء الأردني، فايز الطراونة، إلى توعد المتسببين «بالشغب بإعادتهم الى بلادهم»، مصدراً في الوقت نفسه تعليمات «يمنع بموجبها دخول أو خروج أي شخص إلى المخيم إلا بإذن أمني».
أما اللاجئون، فلا يطلبون سوى مغادرة المخيم إلى مناطق مؤهلة أو إعادتهم الى أربعة مخيمات كانوا يقطنونها قبل افتتاح مخيم الزعتري أخيراً، ثلاثة منها في الرمثا (شمال البلاد) وواحد في محافظة المفرق (شمال شرقي البلاد).
ويجد مطلب اللاجئين بمغادرة المخيم مساندة من متضامنين، أبرزهم الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري وحملة «وتعاونوا» الشبابية، التي طالبت مفوضية الأمم المتحدة في غير اعتصام احتجاجي «بإغلاق مخيم الزعتري، ونقله إلى مكان أكثر ملاءمة للظروف الإنسانية».
وبالرغم من أن رئيس المفوضية السامية للاجئين، أندرو هاربر، أبدى استياءه من وضع المخيم، إلا أنه طلب من المتضامنين أن «لا يتفاءلوا بإغلاق المخيم قريباً، فلا بديل آخر». وهو ما دفع 200 شخص إلى العودة الى بلادهم «طوعاً» وفقاً لوزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق باسم الحكومة سميح المعايطة.

استضافة بالإكراه

ترفض الحكومة الأردنية نقل المخيم للكثير من الأسباب، بعضها أمني غير معلن، لكنه متداول بين الأوساط الأمنية والحكومية. وقد لمّح إليه وزير الخارجية، ناصر جودة، يوم الخميس الماضي. وأشار أمام مجلس الأمن الدولي إلى إمكان «اتخاذ» اجراءات تقييدية لدخول اللاجئين السوريين، لما يترتب «على دخولهم من آثار اجتماعية وأمور تمس النظام والأمن العام».
من جهته، أكد وزير الإعلام، سميح المعايطة، أن «الأردن متضرر من اللجوء، فهو يؤثر فيه اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، لكننا مجبرون عليه»، منبهاً إلى أن الأردن بات «عاجزاً عن استيعاب المزيد من اللاجئين، فقد تجاوز عددهم ألف لاجئ».
وبحسب وزير أردني، رفض ذكر اسمه، فإن «الأوضاع الآن قد تحسنت في المخيم، ونحن نعمل على تحسينها أكثر، لكن التدفق المفاجئ للاجئين بدأ يزداد وقد تجاوز في الأيام الأخيرة ألفي لاجئ في الليلة الواحدة»، كما تحدث عن أن «بعض اللجوء مفتعل من أناس أوضاعهم الاقتصادية سيئة»، متهماً «الجيش الحر بأنه يدفع كثيراً من السوريين إلى اللجوء خارج البلاد».
ولا يخفي المسؤول الحكومي في حديثه مع «الأخبار» وجود معلومات مؤكدة لديه بأن «كثيراً من قاطني المخيم يرغبون في العمل مثل أقرانهم الذين دخلوا البلاد وفق نظام الكفالات». ولفت إلى أن «لاجئي المخيم يعرفون أن اللاجئين السوريين في بعض المدن تسللوا إلى سوق العمل، وباتوا يحصلون على أجور عالية»، في بلد محدود الموارد والإمكانات، وبلغت نسبة البطالة فيه العام الماضي 12،9 في المئة.
اللاجئ السوري، حمدان المصري، أكد أنه وأقرانه من السوريين «ملّوا من السكن في العراء ومن مساعدات الذل»، مطالباً الحكومة بالعودة عن قرارها وقف العمل بنظام الكفالة للاجئين السوريين، الصادر في تموز الماضي. ويضيف المصري «هناك تمييز واضح، فكثير من السوريين يقطنون مدينة المفرق (شمال شرق عمان) والرمثا (شمال عمان) ويحصلون على مساعدات مالية وعينية، ويستطيعون العمل ولا أحد يحتج على ذلك».
وبات بالإمكان مشاهدة عشرات السوريين العاملين ليس فقط في مدن مثل الرمثا المفرق واربد، بل في المدينة عمان. فالعمالة السورية أصبحت مألوفة الظهور أمام الأردنيين في المطاعم ومحالّ الألبسة ومراكز التسوق وورش العمل، لكن وزارة العمل تعجز عن تحديد عدد هؤلاء باعتبارهم عمالة دون تصاريح وغير مسجلين وهم موزعون في مناطق عديدة.
ويقول سعيد زقزوق، وهو صاحب متجر كبير، «غادرت درعا واستأجرت مكاناً واسعاً وأنشأت فيه سوبر ماركت». ويضيف «هنا الأوضاع مستقرة ودخلي يتجاوز ألف دولار شهرياً ومعظم بضاعتي سورية وبخاصة الحلويات والسكاكر والمكسرات».
هذا التحول أثار سخط العمالة الأردنية، التي باتت تشكو من إحلال العمالة السورية مكانها «فهم يتقاضون أجوراً أقل والتزاماتهم المالية محدودة». وبينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن العمالة السورية الحاصلة على تصاريح عمل حتى نهاية آب الماضي، لا تزيد على ألفي عامل، تقر الحكومة بأن هذا الرقم غير صحيح. ويؤكد مسؤول في وزارة العمل أن هذه الأرقام «لا تعكس النسب الحقيقية، وأنّ مفتشي وزارة العمل يضبطون يومياً المئات منهم في مختلف مناطق المملكة، يعملون بلا تصاريح».

موجة تدفق جديدة

تشير تقديرات خبراء في شأن اللاجئين أنه دخل إلى البلاد ما لا يقل عن 80 ألف لاجئ بطرق غير مشروعة، غير أن وزير الاعلام يؤكد أن الداخلين بطرق غير شرعية «لم يتجاوز عددهم 30 ألفاً». ويوضح أن «الأردن يتوقع دخول المزيد في حال تصاعد الحدث الأمني».
بدوره، توقع رئيس بعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أندرو هاربر، تدفق المزيد من اللاجئين مع تصاعد عمليات العنف داخل الأراضي السورية. وبحسب تصريحات المفوضية السامية للاجئين فإنه «يوجد الآن قرابة سبعين ألف لاجئ سوري سجلوا أسماؤهم لدى المفوضية، فيما لم يسجَّل آلاف آخرون».
ومن المؤشرات الرئيسية على الزيادة المتوقعة، أن المفوضية صممت مخيم الزعتري ليتسع لقرابة 80 ألف لاجئ وسط توقعات بأن يمتلئ المخيم مع نهاية العام الحالي.
وأوضح بيبي أن زيادة التدفق أخيراً عبر الحدود السورية دفع المنظمة إلى التفكير في مخيمات جديدة يقدر استيعابها بأربعمئة ألف، وهو ما يدعمه تصريح رئيس الحكومة قبل أيام عندما قال «سنبحث عن مواقع جديدة لإقامة مخيمات عليها لأننا لا نعرف الحد الزمني لهذه العملية».
كذلك لم يبتعد وزير الخارجية ناصر جودة عن هذا السياق، بإعلانه الثلثاء الماضي افتتاح مخيم جديد للاجئين السوريين في الأردن خلال الأيام المقبلة، بدعم وتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقال في حينه إن «المخيم سيفتتح في منطقة رباع السرحان ( شرقي شمال الأردن) ليستوعب ما بين 15 – 20 ألف لاجئ سوري».



تمويل أردني وعربي

وجد اللاجئون السوريون مساندة شعبية ورسمية في الجانب الانساني الاغاثي. وعملت جمعيات أردنية عديدة على دعمهم مالياً وعينياً، أبرزها جمعية المركز الاسلامي التابعة للإخوان المسلمين، جميعة الكتاب والسنّة السلفية، الجمعية المسيحية «كاريتس»، جمعية العون الطبي، مؤسسة جلدون، الهيئة الخيرية الهاشمية.
عربياً، قدمت دول الخيج مساعدات عينية كثيرة. وكانت السعودية الأبرز دوراً، فتبرعت بمئتين وخمسين «كرفان» ستصل خلال أسبوع، وبقافلتين مزودتين بالأغذية، فيما تبرعت الامارات بمئتي «كرفان».
لكن هذه التبرعات لا تزال عاجزة عن تلبية حاجات اللاجئين. وبحسب مدير التعاون الدولي، فإن المنظمة ناشدت في آذار الماضي الدول المانحة التبرع بـ84 مليون دولار، لكنها تبرعت فقط بـ30 مليون دولار.