تلقّت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية طوق نجاة سيضمن على ما يبدو استمرار صدورها، بعد أشهر من الاهتزاز وعدم اليقين الذي اكتنف مصيرها كصحيفة ورقية. وأُعلن أمس تبلور صفقة شبه نهائية لشراء الصحيفة، التي تعاني الشركة المالكة لها أزمةً ماليةً مستعصية، من قبل ناشر صحيفة «مكور ريشون» ذات الصبغة اليمينية، رجل الأعمال شلومو بن تسفي، المعروف بميوله السياسية القريبة من جمهور المستوطنين. وبحسب ما نشر، فإن الصفقة، إذا ما وصلت إلى خواتيمها، فستفضي إلى انتقال ملكية أجزاء من الصحيفة إلى بن تسفي، على رأسها الشعار (اللوغو) ونحو خمسين ألف اشتراك، إضافة إلى مكاتب التحرير الخاصة ونسختها الإلكترونية، مقابل حوالى عشرين مليون دولار، من دون أن تشمل ديون الصحيفة ولا مطبعتها.
واقترن إعلان نبأ الصفقة بتساؤلات عمّا سيؤول إليه الوضع الجديد للصحيفة، وخصوصاً بعد التقديرات المرجحة بأن يجري دمجها مع «مكور ريشون»، وعن انعكاسات ذلك على وضع الصحافة الإسرائيلية عموماً وطبيعة التوازنات السياسية التي تعكسها.
ورأى معلقون إعلاميون أن دخول بن تسفي إلى «معاريف» سيترك أثره على صناعة الصحافة المحلية، «وربما أيضاً على خارطة الديموقراطية الإسرائيلية». فالدمج المرتقب بين الصحيفتين، بحسب صحيفة «ذي ماركر» الاقتصادية، «وكأي عملية دمج، سيكون فيها جسم واحد قوي، وفي هذه الحالة من المتوقع أن يكون «مكور ريشون». ومن المعلوم أن «مكور ريشون» التي أبصرت النور كصحيفة قطاعية عام 2004، تخاطب بالدرجة الأولى شريحة اليمين الاستيطاني التي ينتمي إليها بن تسفي، اليهودي المتدين والعضو السابق في حزب الليكود والصديق الشخصي لقائد الجناح الأكثر تشدداً فيه، موشيه فايغلين. وإذا قرر بن تسفي أن يحوّل «معاريف » إلى نسخة موسعة وذات امتداد قطري لـ«مكور ريشون »، فإن ذلك سيقوده إلى تغيير الخط التحريري لـ«معاريف»، المصنفة ضمن خانة يمين الوسط في خارطة الصحافة الإسرائيلية. ورجح معلقون أن يواجه بن تسفي تحدياً في التأثير على السياسة التحريرية لمعاريف، وخصوصاً مع إعلان عدد من محرريها رفضهم لأي محاولة لفرض منحى إيديولوجي عليهم خلافاً لآرائهم وميولهم الفكرية.
وأياً تكن الحال، فقد جزمت التوقعات بأن الصفقة الجديدة لن تحول دون موجة صرف كبيرة للعاملين في «معاريف» قد تصل إلى سبعين في المئة من أصل 2000 موظف. ورجحت هذه التوقعات أن يكون معظم الذين لن يشملهم الصرف من العاملين في طاقم التحرير الذي يعدّ 370 موظفاً، من دون استبعاد أن يختار عدد منهم الرحيل في ضوء الوجهة السياسية الجديدة التي ستعتمدها الصحيفة. وأشارت تقديرات إلى أن «معاريف» الجديدة، فيما لو جنحت يميناً باتجاه «مكور ريشون»، فستحتفظ على الأقل بنحو 50% من قرائها.
ووفقاً لآخر الإحصاءات، فإن «معاريف » تتمتع بحصة تقدر بنحو 12% من عدد قراء الصحف في إسرائيل، أي ما يعادل حوالى 90000 نسخة يومياً. وتصدر صحيفة معاريف منذ 64 عاماً، إذ تأسست كصحيفة مسائية في 15 شباط 1948. ورغم أن مؤسسيها كانوا مجموعة من الصحافيين الذين انشقوا عن «يديعوت أحرونوت» في أعقاب خلافات سياسية، فإن «معاريف» تمكنت سريعاً من حجز مكانها في سوق الصحافة الإسرائيلية، بل إنها بقيت على مدى عقود الصحيفة الأكثر مبيعاً في إسرائيل، حتى أطلق عليها «صحيفة الدولة».
وفي تسعينيات القرن الماضي انتقلت ملكية معاريف من الشركة المساهمة التي أنشأها الصحافيون المؤسسون إلى شركات استثمارية خاصة، حتى انتهى الأمر بشرائها عام 2011 من قبل شركة «IDB» التي يرأسها نوحي دانكنر. وفي أعقاب ذلك، تدهور وضع الصحيفة بفعل أزمة مالية ألمّت بالشركة، ما أفضى إلى جملة إجراءات لمحاولة تدارك هذا التدهور، منها اتخاذ قرار مبدئي بوقف إصدار الطبعة الورقية، وهو قرار كان من المتوقع أن ينفذ مطلع الشهر المقبل.