رام الله | لم تتغير الصورة كثيراً في الضفة الغربية بعد خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول الوضع عامة، والحراك الشعبي الضاغط؛ فالأزمة مستمرة، والحراك نحو التصعيد. وفيما تتوالى الاجتماعات الرسمية بقيادة رئيس الحكومة سلام فياض للخروج بحلّ ولو مؤقت، فإن شوارع الضفة الغربية تدخل اليوم في شلل تام، مع إعلان إضراب شامل لكافة وسائل النقل العام. وأعلنت نقابة النقل العام يوم الاثنين يوم إضراب شامل لكافة وسائل النقل العام في مختلف المحافظات. ويأتي هذا القرار بعد الاجتماع الذي جرى أمس، في رام الله لكافة نقباء محافظات الضفة لمناقشة الوضع الراهن. وأكّد نقيب سائقي النقل العام في طولكرم، محمد ياسين، أن تنظيم فعاليات مختلفة سيبدأ في وقت لاحق، احتجاجاً على الغلاء الفاحش وغير المسبوق.
في غضون ذلك، تواصلت التظاهرات الغاضبة في مناطق مختلفة من الضفة، ما لبثت أن تحولت الى أعمال شغب، بحيث أشعل شبان فلسطينيون غاضبون إطارات السيارات في عدة مناطق، وأغلقوا طريق وادي النار الموصل بين جنوب الضفة وشمالها. كذلك شهدت العديد من شوارع الضفة إضراباً لسائقي السيارات احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود، ما سبّب تعطيل حركة السير.
حركات احتجاجية متصاعدة تأتي بالتوازي مع إيعاز عباس لوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ بالتقدم بطلب رسمي إلى إسرائيل لإعادة فتح اتفاقية باريس من أجل دراستها وتعديلها في أسرع وقت ممكن، وفي حال الموافقة الاسرائيلية «سيتم تشكيل لجنة من دائرة شؤون المفاوضات واللجان المختصة».
من جهته، بحث وزير الاقتصاد الوطني، جواد ناجي، مع ممثلي القطاع الخاص، سبل التعاون والتنسيق المشترك بين القطاعين العام والخاص، لإيجاد حلول والخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة. وأوضح أن الحكومة قامت وتقوم حالياً بسلسلة اتصالات مع الدول المانحة للإيفاء بالتزاماتها والتقليل من حدة هذه الأزمة. وبالعودة الى خطاب عباس، فقد أقرّ خلاله بوجود أزمة معيشية خانقة، وفي الوقت نفسه الحق في الاحتجاج، لكنه حذر من تحول التظاهرات الى أعمال شغب. وقال «هذا الحراك مشروع، والجوع كافر وسيدنا علي قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. يوجد فقر وجوع واحتياجات وضغوط وحصار، ومن حق هؤلاء الناس أن يخرجوا ويعبّروا عن رأيهم ويقولوا ما يريدون ليصل إلى كل العالم صوتهم، لكن بهدوء وبسلمية». وأضاف أن «التخريب وتكسير المرافق العامة وحرق الإطارات ليست أموراً سلمية. قفوا على الرصيف وقولوا ما تريدون ونحن مستعدون لأن نسمع وأن نلبّي بقدر ما نستطيع».
وبدلاً من الحديث عن حل للأزمة، قال عباس إن رواتب هذا الشهر لن تدفع، موضحاً «لم أكن أريد أن أبشركم بشرى غير سارة، ولكن لن نستطيع دفع رواتب هذا الشهر كاملة، لأنه لا يوجد معنا. هناك حصار، وهناك ناس لا تدفع، وناس قررت ألا تدفع، وناس قررت أن تجعلنا نركع ولن نركع».
وحمّل الرئيس الاحتلال مسؤولية الأزمة، قائلاً إن «الاستيطان في كل مكان، هذا يستتبع هدم البيوت، وقلع أشجار من قبل الحكومة الإسرائيلية، وفي منطقة أريحا هناك عشرات آلاف النخيل التي تطعم الناس مهددة بالاقتلاع، لأنها في منطقة (ج) لماذا؟ لأنها ليست لكم، لماذا؟ لأنها لنا. لا لقطعان المستوطنين كل يوم يهاجمون بلدة ويقتلون الناس ويحرقون ويقتلعون، واعتداءاتهم وصلت إلى الإخوة المسيحيين واللطرون. لا تصدقوا أنهم عفويون، وأن حكومة (بنيامين) نتنياهو تدين هذه الإجراءات، هذا غير صحيح». ووعد بقرارات قريبة من أجل تحسين الوضع.
شرح الأزمة لم يتوقف على عباس، بل واصل، من جهته، سلام فياض اجتماعاته وتوضيحاته، وكتب في مكانه المفضل، صفحته على «فايسبوك»، يقول «أنا لا أصرف ولا دقيقة واحدة للتفكير في ما إذا كانت هذه الاحتجاجات عفوية أو موجهة أو هناك من يقف وراءها. في المحصلة النهائية نحن نتعامل مع الواقع، وما الفرق إن كانت هذه الاحتجاجات عفوية أو مفتعلة». وأضاف «أنا إنسان عادي، ولست مجنوناًَ، فأنا أتألم للتشكيك بالنوايا، والاتهامات بالخيانة وبأني مفروض على هذا الشعب... من يقول لي ارحل أقول له تكرم، وإن كان الرحيل يحل مشكلة بكل تأكيد لن أتردد في ذلك».
في غضون ذلك، أعلنت مصادر فلسطينية مطلعة أن الرئيس الفلسطيني بدأ مشاورات مع مقربين منه تتعلق ببدائل من فياض في حال إقالته عقب موجة الاحتجاجات الأخيرة. ونقلت وكالة «صفا» المحلية عن المصادر قولها إن «عباس بات مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بضرورة رحيل فياض، وأنه اتخذ قراراً غير رسمي بذلك، ويجري مشاورات حول البدائل وإيجابيات ذلك وسلبياته». وذكرت المصادر أن «مركزية فتح أوصت عباس بإقالة فياض، ولكن الرئيس غير راض عن الأسماء التي تطرحها المركزية لخلافته». وأشارت إلى أن شخصيات وطنية وقوى سياسية ومنظمات أهلية اجتمعت بالرئيس عباس أخيراً عقب موجة الاحتجاجات الأخيرة ونصحته بإقالة فياض.