يستمع القاضي محمود عقيد بتعاطف إلى شكوى مستأجر على خلاف مع مالك المنزل الذي يقيم فيه، قبل أن يلجأ إلى الشريعة لاصدار حكم في بلدة الباب التي تبعد 30 كلم شمال شرق حلب، والتي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في شمال سوريا. وعقيد، هو عضو مع 12 قاضياً آخرين ومحاميين إثنين، في لجنة قضائية منتخبة تتولى مهمة الحفاظ على السلم في الباب، إلى جانب مؤسسات أخرى أقامتها المعارضة حتى عودة حكم القانون إلى سوريا.
ومن على منضدة بسيطة في المحكمة الإسلامية المؤقتة في المدينة، يصغي القاضي عقيد للمستأجر عبد الله وهو يتوعد بعدم تسديد قيمة الايجار لأربعة أشهر، ما لم يوافق المالك على اصلاح باب نخرته الشظايا.
ويحاول القاضي عقيد البالغ 30 عاماً، بسرعة معرفة المبلغ الذي يمكن للمستأجر أن يدفعه. ويقارن ذلك بكلفة تغيير الباب الذي خلع من مفصلاته إثر انفجار ألحق أضراراً أيضاً بمدخل المنزل، ليبدأ البحث عن حل وسط عادل.
وبعد النظر في قضية عبد الله المدنية، يتحول القاضي للنظر في قضية أحد مقاتلي المعارضة يتهمه السكان بالفظاظة واطلاق السباب عندما حاول تنظيم طابور من الناس أمام مخبز. ويستنتج عقيد بعد استجواب المقاتل أنه «كان يكثر من الصراخ».
ويقول عقيد «في الصباح أستمع للشكاوى وليلاً نجلس معاً لمراجعة القضايا» مع أعضاء آخرين في اللجنة القضائية المنتخبة التي تستلهم أحكامها من الشريعة.
ففي الأيام التي أعقبت الاحتفالات بسيطرة مقاتلي المعارضة على البلدة بعد معارك عنيفة مع الجيش النظامي، بدأ الاهالي ومقاتلو المعارضة يعملون على انتخاب مجلس مدني وآخر عسكري وتطبيق الشريعة في هذه البلدة التي كانت تضم 80 الف نسمة.
ويقول رئيس المجلس المدني أبو عمر، إن هذه المؤسسات أنشئت «للامساك بزمام الأمور حتى انتهاء الفوضى» في سوريا. ولقيت المحكمة الاسلامية بحسب أبو عمر «استقبالاً جيداً لأن الجميع في الباب من المسلمين السنة».
ويلجأ سكان بلدة الباب لتسوية خلافاتهم إلى المحكمة الشرعية المسؤولة أيضاً عن إلزام مقاتلي المعارضة المقاتلين الذين يستخدمون البلدة قاعدة خلفية، باحترام القانون.
ففي سجن في أسفل المبنى، معزول عن القاعة الجليلة التي يكثر فيها الكلام، يؤدي ستة سجناء الصلاة. أحدهم قائد عسكري من مقاتلي المعارضة سجن لأن «رجاله سرقوا ساعات ذهبية خلال مداهمة لمنزل يشتبه في أنه لأحد عناصر الميليشيات الموالية للنظام والمعروفين بالشبيحة». والساعات كانت مهراً، إلا أنه بسرقتها يكون رجاله «ارتكبوا خطأ وخالفوا الشريعة» بعدما لم يتمكنوا «من مقاومة اغراء تلك الساعات الذهبية فهم يشترون الرصاص من مالهم الخاص». وقبل اقامة المحكمة الشرعية، كانت بلدة الباب تعتمد على ثمانية قضاة عينهم النظام بموجب قوانين مدنية وجنائية وتجارية متوارثة عن الانتداب الفرنسي. وهناك قاضٍ واحد فقط من القضاة السابقين مختص بالشريعة التي حددت نطاق حكمه بأمور مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال.
وتتعامل المحكمة الاسلامية مع العديد من القضايا لكنها تسعى إلى النأي بنفسها عن ممارسات الفساد السابقة. وقال فوزي صياح رئيس اللجنة القضائية «المحاكم كانت في السابق فاسدة والأحكام رهن بما يمكن أن يدفعه كل شخص». وأضاف «توقف كثر عن ملاحقة قضاياهم لأنهم وجدوا الاجراءات طويلة جداً ومخيبة ومكلفة». أما الآن فيقول صياح، تعرض ما بين 5 و10 قضايا يوميا أمام المحكمة الاسلامية. ويضيف «نحاول أن نستمع لشهود عيان ونجمع الأدلة في جلسة واحد وحل المسألة خلال أيام قليلة».
من جهته، يقول أبو النجار، أحد محاميين اثنين في اللجنة القضائية إنه يحاول «التوفيق بين الشريعة والتشريع القائم»، ويصر على أن الشريعة يمكن أن تكون أكثر رحمة في بعض الحالات. ولاثبات رأيه يستشهد بقضية رجل دين اتهم بالقتل غير المتعمد وحكم عليه بالسجن وبدفع تعويض لاسرة الضحية. ويلفت إلى أنه في نهاية الأمر، سامحته الاسرة واطلق سراحه من السجن.
ويشدد رئيس اللجنة القضائية فوزي صياح وزملاؤه على أن المحكمة الاسلامية إجراء مؤقت باق حتى يصبح لدى الشعب السوري الفرصة لاختيار حكومته ونظامه القانوني. غير ان صياح يقول «نسعى لأن نصبح نموذجاً».
(أ ف ب)