مقديشو | وصل حسن شيخ محمود إلى منصب الرئاسة في الصومال، في انتخابات تعدّ الأولى بعد عقود من الحكم العسكري والحرب الأهلية، وسط تحديات عديدة سيترقب الصوماليون ما إذا كان الرئيس الجديد يملك القدرة على تخطّيها. الرئيس الجديد، الذي ينتمي ﺇلى نفس عشيرة الرئيس السابق (ﺃبغال من قبيلة الهوية)، يعدّ أول رئيس يجري انتخابه في العاصمة الصومالية منذ بدء عملية إعادة الأعمار منذ عام 2000. وكان أسلافه قد انتخبوا في دول مجاورة مثل كينيا وجيبوتي لأسباب أمنية. وستمتد مدة رئاسته أربع سنوات، سيمهد خلالها لانتخابات بلدية وبرلمانية ورئاسية جديدة، ستتنافس فيها ﺃحزاب سياسية، لوضع حدّ لتقاسم السلطة بناءً على المحاصصة القبلية على غرار ما يجري في السنوات الأخيرة. وسيشارك السكان الصوماليون في جميع المحافظات الثماني عشرة في عمليات التصويت المقررة. كما سيشاركون في الاستفتاء العام على مسودة الدستور الجديد الذي قد يناقشه قريباً البرلمان، بعدما تم التصديق عليه في وقتٍ سابق من قبل 825 ممثلاً من جميع العشائر والقبائل الصومالية المختلفة.
القيام بهذه المهمات جميعها سيبقى بانتظار أن يتسلم الرئيس الجديد مهماته والانتقال إلى مقره الرئاسي. فشيخ محمود، الذي أدى رسمياً اليمين الدستورية أمام النواب ورئيس المحكمة العليا، لا يزال يتنقل بين فندق الجزيرة القريب من المطار و«فيلا بيدوا» في مقديشو، حيث المقر القيادي المؤقت للجيش الصومالي. لكن الحراسة المشددة التي يحظى بها من قبل قوات أوغندية وصومالية، لم تمنع من تعرضه أمس لأولى محاولات الاغتيال من حركة «الشباب»، بعدما نجا من تفجيرين استهدفا فندقه في مقديشو. وقال مصدر في وزارة الخارجية الكينية إن وزير الخارجية الكيني سام اونغيري، وعدداً من النواب الكينيين كانوا يجتمعون مع الرئيس حسن شيخ محمود وقت وقوع الانفجار، مؤكداً أنه جرى إخلاؤهم جميعاً، في حين تبنّت «حركة» الشباب الاسلامية المتطرفة الهجوم.
وقال المتحدث باسم الحركة، علي محمود راغي، «نحن مسؤولون عن الهجوم على من يسمّى رئيساً وعلى الوفد» الكيني، وذلك بعد يوم من إصدار الحركة بياناً أكدت فيه أنها لن تعترف بنتيجة الانتخابات التي وصفتها بأنها خطة خداع استراتيجية أبدعتها عقول غربية.
كذلك رأت الحركة أن «استبدال شريف شيخ أحمد ليس إلا احتيالاً على الشعب المتضرر، فكيف يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في بلد يعاني من احتلال وحشي ينهب الخيرات السمكية والمعدنية لمياهه البحرية، ويخترق أجواءه من دون شرع وقانون، ويفرض الحصار على اقتصاده.»
وذكّرت الحركة بأن «أكثر من ثلثي النواب في البرلمان الجديد يحملون جوازات سفر أجنبية، ما يعني أنهم لا يمثلون تطلعات شعبنا الصومالي، وبدلاً من ذلك فهم وكلاء لبلدان أجنبية حصّلوا منها المواطنة، ونعلن مواصلة حربنا الجهادية ضد الغزاة والمرتدين».
وفيما يتوقع أن تجري حفلة تنصيب شيخ محمود قبل نهاية الشهر الحالي، من المرتقب أن يحضر الرئيس الجديد في أول لقاء حول الصومال على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقرها في نيويورك أواخر الشهر الحالي. ويعتبر هذا الاجتماع أملاً جديداً لانفتاح الصومال على العالم ومحاولة لاستعادة وجوده في الساحات السياسية الدولية.
البروفسور شيخ محمود ولد في بلدة جلالقسي في محافظة هيران بوسط البلاد في سنة 1955. بعد وفاة والديه، عاش فقيراً ومنبوذاً في عشيرة والدته، إلا أن تكفّل به أخوه غير الشقيق الذي قدم له مصاريف تعليمه الأساسية والثانوية، التي تلقاها في مدينة بلدوين حاضرة محافظة هيران. ثم انتقل لاحقاً إلى الجامعة الوطنية في مقديشو، التي تخرّج فيها في سنة 1981 وحصل بعدها على شهادة الماجيستر من جامعة بي هوبل الهندية.
ويُعرف محمود بأنه أستاذ جامعي متخصص في التربية، ومن الفاعلين في المجتمع المدني الصومالي. الرئيس الجديد للصومال مثقف وناشط اجتماعي عمل في مجال الإنسانية حتى جرى تعيينه مسؤول التعليم في محافظات الوسط والجنوب لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونسيف». أسس معهد الصومال للتنمية الإدارية مع كادر من المثقفين في سنة 1999، قبل أن يتحول المعهد العالي إلى جامعة في سنة 2011. وأسس خلال الشهور الأربعة الأخيرة حزب السلام والتنمية، إلا أنه لم يفعّل نظراً إلى أن الحكومة الصومالية لم تقرر إجازة تكوين الأحزاب السياسية.
الرئيس الصومالي الجديد لديه زوجتان، إحداهما ابنة خالته التي تزوجها قبل ثلاث سنوات وتعيش معه حالياً في مقديشو، أما الأخرى فهي لاجئة مع أطفالها في الحي الجنوبي بالعاصمة الكينية نيروبي بعد هروبها من العنف والمعارك في جنوب العاصمة الصومالية. وتفيد بعض التقارير الصحافية أن الشرطة الكينية تحملت عبء مسؤولية أمن عائلة الرئيس في نيروبي.
وأثار انتخابه شيخ محمود ردود فعل مرحبة. وشدد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى الصومال، أوغسطين ماهيغا، على الحاجة إلى ضمان تماسك قوات الأمن في هذه المرحلة الحرجة المثيرة للاهتمام، والتحرك بعيداً عن الفساد والتفرقة القبلية والعنف القائم على أساس مكائد سياسية مبهمة.
بدوره، هنّأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حسن شيخ محمود، مشيداً بالعملية السلمية والمنظمة لانتخاب الرئيس الجديد، والتي أنهت مرحلة الانتقال السياسي التي استمرت 12 سنة في البلاد.
بدورها، دعت الولايات المتحدة قادة الصومال إلى الدخول في حقبة جديدة من الحكم قادرة على الاستجابة للشعب.