إسطنبول | أعلنت رئاسة الأركان في الجيش التركي، أمس، أن نحو 7 آلاف من عناصر الوحدات الخاصة المدعومين بحراس القرى الأكراد المتعاونين مع الجيش يشتبكون مع مسلحي حزب العمال الكردستاني في منطقة شامنديللي القريبة من هكاري، في نقطة الصفر على الحدود التركية مع العراق. وفي المعلومات أن رئيس الأركان، الفريق أول نجدت أوزال، أدار شخصياً جزءاً من هذه الاشتباكات التي أدت إلى مقتل 75 من عناصر الكردستاني خلال الأسبوع الحالي، بعدما كانت رئاسة الأركان قد قالت إن 90 من العساكر الأتراك قد قتلوا خلال الأشهر الأخيرة مقابل 200 من عناصر الكردستاني. ونقلت محطات التلفزيون التركية مشاهد من الاشتباكات العنيفة في المنطقة، مشيرةً إلى أن الجيش يستخدم في هذه المعارك كافة أنواع الأسلحة، بما فيها الطائرات القاذفة من طراز «أف 16»، إضافة إلى المروحيات والمدفعية الثقيلة والدبابات. وتشهد المنطقة منذ حوالى شهر اشتباكات عنيفة بعدما سيطر مسلحو الكردستاني على بلدة شامنديللي، في إطار الاستراتيجية الجديدة للكردستاني الذي صعّد خلال الفترة الأخيرة من عملياته العسكرية ضد تركيا.
وحاول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والمسؤولون الأتراك تفسير هذا التصعيد بسيطرة أكراد سوريا من أنصار حزب العمال الكردستاني التركي على المناطق الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، المتاخمة للمناطق الكردية في جنوب تركيا على طول الشريط الحدودي بين البلدين وفي المنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة، وهي بطول 480 كيلومتراً تقريباً.
وسبق لأردوغان أن هدد بالتدخل العسكري المباشر في سوريا إذا حاول الكردستاني استغلال الوضع وخلق المشاكل لتركيا انطلاقاً من الأراضي السورية. كذلك حاول بعض المسؤولين الأتراك تحميل دمشق مسؤولية التصعيد في العمليات العسكرية للحزب الكردستاني. وقالوا إن النظام السوري يقف وراء هذه التصعيد للانتقام من أنقرة بسبب سياساتها في دعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة، باعتبار أن جميع مخيمات الجيش السوري الحر موجودة في منطقة أنطاكيا.
وسعت أنقرة لمواجهة المرحلة الجديدة في الحرب مع الكردستاني، من خلال المزيد من التعاون مع واشنطن، حيث جرى بحث موضوع الكردستاني مع رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية ديفيد بترايوس، خلال زيارته الأخيرة لأنقرة. ووعد بترايوس بدعم أنقرة في حربها مع الكردستاني على جميع الجبهات، بما في ذلك إقناع رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، بمساعدة أنقرة في هذا الموضوع. وكان البرزاني قد زار تركيا بداية العام الجاري، واتفق مع المسؤولين الأتراك في هذا المجال، بعد وعود من الحكومة التركية بالتضامن معه في حربه السياسية مع حكومة نوري المالكي، بعدما تحولت أنقرة إلى طرف مباشر في الأزمة السياسية العراقية بدعمها لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.
ويتزامن كل ذلك مع نقاش تركي سياسي وإعلامي واسع بسبب التوتر الجديد الذي أضفاه الملف الكردي، واختلف الشارع التركي في تفسيره. واعتبر الكثير من المحللين السياسيين التطورات الجديدة بمثابة إفلاس لسياسات أردوغان التي خصصت لمعالجة المشكلة الكردية سياسياً وسلمياً من خلال الاعتراف للأكراد ببعض الحقوق القومية والسياسية. وكانت مدينة أوسلو شهدت عام 2009 مباحثات سرية بين رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان وبين قيادات كردية مقرّبة من حزب العمال الكردستاني. وانتهت هذه المباحثات بالفشل، بعدما رفضت الحكومة مطالب الكردستاني في ما يتعلق بإخلاء سبيل زعيم الكردستاني عبد الله أوجلان، المحكوم عليه بالسجن المؤبد منذ عام 1999 بعدما اختطفته الاستخبارات الأميركية من العاصمة الكينية نيروبي وسلمته إلى أنقرة. وكان أوجلان قد بدأ الحرب المسلحة ضد تركيا في آب 1984. وكلفت هذه الحرب تركيا حوالى 200 مليار دولار، وأدت إلى مقتل نحو 50 ألف شخص حتى الآن.