البداوي | في كثير من أزقة البداوي لا تزال غابة الأسلاك الكهربائية مخيّمة مثل شبكة عنكبوت، تكاد تحجب بقعة الضوء المحشورة بين شرفات المنازل المتلاصقة. إلى تلك البيئة لجأ الهاربون من جحيم المعارك السورية. بالاسم، هم لاجئون فلسطينيون إلى سوريا، حيث لا ينقصهم شيء من حقوق التملك إلى التوظيف والتعليم. في الواقع، جاء نزوحهم إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان ليذكرهم بالسنوات الأولى بعد احتلال بلادهم وتشتيتهم في أربع رياح الأرض. فمنذ «عام 1953 صدر القانون رقم 59 الذي ساوى بين السوري والفلسطيني في شتى مجالات الحياة»، يقول المحامي الفلسطيني الذي غادر مخيم اليرموك إلى البداوي، وسرعان ما فضّل لو مات في سوريا «على المجيء إلى لبنان حيث تعرّفت لأول مرة الى معنى اللجوء» كما قال. وأضاف المحامي النازح متهكّماً على «ثمار الثورة» في سوريا بقوله إن مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي الجهة المعنية بالشأن الفلسطيني في سوريا، أعطت الأولوية للسوري في الحصول على الوظائف، بعيد أول حراك شارك فيه بعض الفلسطينيين، وكأن السلطة السورية استجابت على حساب الفلسطينيين لأحد مطالب المعارضة التي تمنّى قادة فيها أن تعطى للسوريين عشرات الآلاف من الوظائف التي يشغلها فلسطينيون.«لأن من يهرب من الموت لا يفكر بالعلم وبالوظيفة، وما بيعمل كتير حسابات» تقول ربة المنزل الذي أوى إليه المحامي واثنان من أقربائه.
محمد طالب سنة ثالثة حقوق في جامعة دمشق، هناك أعلنوا تأجيل بدء العام الجامعي حتى الخامس والعشرين من تشرين الأول المقبل، وقد تقرر الموعد بناءً على تقدير أن السلطات السورية ستحسم الوضع وتبسط الأمن بالتالي. محمد متردد في التسجيل في الجامعة اللبنانية، توقعاته أن يسجَّل في السنة الجامعية الثانية، وبالتالي خسارة السنة باتت حتمية. أما شقيقه خالد في السنة الثانية اقتصاد بجامعة دمشق أيضاً، فقد راجع كلية الهندسة وإدارة الأعمال في طرابلس _ القبة. نتيجة المراجعة أن التسجيل قد انتهى بالنسبة إلى العام الجامعي القادم. لذلك توجه خالد إلى الجامعة اللبنانية الدولية LIU، «تمّ قبولي بشرطَي تقديم علامات السنة الأولى ومعادلة شهادتي الثانوية». الشرط الأول ممكن التحقق، لكن معادلة الشهادة الثانوية يتطلب شهرين على الأقل، علماً بأن «مدة إقامتي تنقضي بعد شهر واحد». هكذا يختصر الأخوان محمد وخالد الموقف بالحديث عن سيفين مصلتين على رقاب الطلاب الجامعيين، «سيف التسجيل الجامعي وسيف تمديد الإقامات».
لا تزال الأونروا في طور عملية الإحصاء لتقدير أعداد النازحين، ولا تزال بانتظار المساعدات المتوقعة من الجمعيات ومن جهات مختلفة، وهذا ما يذكّر فلسطينيي الشمال بما جرى بعد تدمير مخيم البارد، حيث استغرقت عمليات الإحصاء أكثر من شهرين قبل أن تبدأ الأونروا بتقديم المساعدات، بحسب مسؤول اللجنة الاجتماعية في حركة فتح الحاج خالد عبود، الذي يتمكن بسهولة، بحكم عمله، من الانتقال بين البيوت التي تؤوي نازحين من سوريا. إلى منزل آخر حيث تحدثت ربة المنزل عن قريبة قدمت لزيارتها قبل قصف حي التضامن في مخيم اليرموك بيوم واحد، الأمر الذي مكّن ابنته من تسلّم شهادة الثانوية العامة حيث كان الوضع يسمح. وكغيرها من الفلسطينيين، تمنّعت ربة المنزل عن ذكر الأسماء، فـ«الأوضاع غامضة في سوريا»، وما من أحد يرغب في توريط نفسه بمساءلة لاحقة، خصوصاً أن للفلسطيني نصيباً في الخسائر، وأن قمة طموحه المحافظة على ما لديه من مكاسب. تقول ربة المنزل إن قريبها النازح لا مشكلة لديه في تأمين عمل لأنه يعمل في مجال البناء، وأن علاقات القرابة التي تربطه بأبناء مخيم البداوي توفر له مجالاً للعمل، لكن المشكلة في تأمين المسكن، والطامة الكبرى في ترتيب موضوع الإقامة، «لي جارة أخرى نزلت إلى الأمن العام أكثر من عشر مرات»، و«جار آخر دفع 150 ألف ليرة لبنانية عن أولاده الثلاثة، أي بمعدل 50 ألفاً عن الشخص الواحد لمدة ثلاثة أشهر». وبرغم أخبار النزوح وغموض مصائر النازحين، لم يفت ربة المنزل أن تزفّ لمسؤول الشؤون الاجتماعية خبر حصولها على جوازات سفر لها ولأولادها للسفر والإقامة في الأردن.
أوضاع النازحين الفلسطينيين من سوريا يلفها الغموض في مجمل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وهو ما عكسته ورشة العمل التي عقدتها منظمة «ثابت لحق العودة» في الخامس من الجاري بشأن النازحين ودور الأونروا. لذا توجهت «الأخبار» إلى الأونروا للاستفسار عن واقع الحال، فردّت المسؤولة الإعلامية هدى الترك بأن العدد التقريبي للنازحين فاق الثلاثة آلاف، وهو العدد الذي «حضر إلى الأونروا أو إلى أحد مراكزها، وهو عدد في تزايد دائم». ورداً على سؤال بشأن توزع أماكن وجود النازحين في لبنان، أفادت بأن «الكثافة الأكبر موجودة في صيدا، وأن هناك وجوداً كبيراً في البقاع»، وأن معظمهم قدم «من منطقة دمشق بشكل عام، والبعض الآخر من أماكن مختلفة من سوريا». وعن الوضع القانوني للإقامة في لبنان، أجابت الترك بأن «على الفلسطينيين الراغبين في المجيء إلى لبنان الحصول على تأشيرة خروج من دائرة شؤون الفلسطينيين في وزارة الداخلية السورية. وعند الحدود اللبنانية، يُعطَون تأشيرة لمدة سبعة أيام، يمكن تمديدها شهرياً لدى الأمن العام اللبناني لقاء خمسين ألف ليرة عن كل شخص». ورأت الترك أن «الأونروا واحدة من عدة منظمات تقدم الخدمات إلى النازحين عن سوريا، بمن فيهم الفلسطينيون... وهي تتعاون بشكل وثيق مع منظمات عديدة لتحسين تسليم المساعدات الغذائية والخدمات الأخرى». على أبواب العام الدراسي، لا تملك الأونروا إحصاءً لعدد الطلاب النازحين من سوريا، وليس لديها بالتالي لغاية الآن خطة واضحة لمعالجة أوضاعهم الدراسية، فهي لا تزال في طور «تشجيع الطلاب الذين هم في السن المدرسية على التقدم بطلب تسجيلهم في مدارس الأونروا. وسيُدرس كل طلب على حدة». وتضيف «من التحديات الكبرى التي نواجهها الاختلاف الجذري بين المنهجين اللبناني والسوري _ لا سيما من الصف الرابع وما فوق _ ما سيمثّل صعوبة كبرى بالنسبة إلى الطلاب، وتقوم الأونروا بالتواصل مع شركائها للنظر في إمكان فتح صفوف تقوية لهذا الغرض».
قلق النازحين وهواجسهم بشأن مستقبلهم وبشأن مصير أبنائهم في مطلع العام الدراسي يكبر يوماً بعد آخر. أجوبة الأونروا عن تساؤلاتهم لا تبدّد القلق، فقد بدأ العام الدراسي في كثير من الجامعات والمدارس، لكن الترك تؤكد أن «الأونروا «تحتاج إلى المزيد من المعلومات عن أعمار الطلاب والنوع الاجتماعي، وأماكن وجود الأولاد لنتمكن من الإعداد واتخاذ الإجراءات اللازمة». ومع ذلك «تؤكد الأونروا للأهل والمجتمع أنها ملتزمة بتقديم أفضل مساعدة ممكنة لتلبية الحاجات التربوية لجميع الأطفال النازحين من سوريا».



أقامت منظمة «ثابت» ورشة عمل في بيروت حول «دور الأونروا في الأزمة السورية». لكن «ممثلة الأونروا إيميلي ديفيس» التي كانت في الورشة، والتي قالت إنها لم تكن تتحدث باسم الوكالة، أشارت إلى أن عدد النازحين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان بلغ ثلاثة آلاف عائلة. وكان لافتاً مطالبة ديفيس الحكومة اللبنانية «برفع التمييز عن اللاجئين الفلسطينيين إزاء النازح السوري إلى لبنان». وكان لافتاً تحدث مسؤول المنظمة علي هويدي عن «خطة لإلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية العليا للاجئين أو بالسلطة الفلسطينية، بدلاً من الأونروا، وذلك لتذويب قضية حق العودة» حسب ما قال.