البدّاوي | وصلنا إلى مدرسة برمانا وفي نيّتنا التميّز في عملنا في مخيّم شاتيلا في بيروت. تعرّفت إلى المجموعة، ثلاثة شبان من الضفّة الغربيّة، مبدعين رائعين، أُغرمت بكلّ دقيقة قضيتها معهم. شاب من الأردن، آخر من غزّة عانى الأمرّين ليصل إلينا، وقد وصل متأخّراً، وشاب فلسطيني من جبيل، وآخر من مخيّم عين الحلوة وأنا من مخيّم البدّاوي. الى جانب كل هؤلاء كان معنا ثلاثة أميركيين، إثنان فنانان لهما الكثير من الأعمال على جدران فلسطين، سوزن غرين، الّتي رسمت في الداخل لما يقارب الاثنتي عشرة سنة، وفريديريكو، وفتاة اسمها هيلاري، جاءت بعد فترة لتوثيق نشاطاتنا ووضعها «أونلاين».
بالنسبة إلي رحلتي إلى برمانا بحدّ ذاتها كانت مغامرة من العمر. ففي اليوم المقرّر لانطلاقي الى برمانا كانت بداية الاقتتال الرهيب بين باب التبّانة وجبل محسن، حيث انطلقت الرصاصات الطائشة على كامل الطرقات المحيطة والمؤدية، وحتّى على بيوت المخيّم. خروجنا من المخيم خلال الاحتراب ووصولنا الى برمانا كانا فيلماً بوليسياً من الدرجة الأولى.
ذهبنا إلى مخيّم شاتيلا ورسمنا جداريّاتنا على حيطانه، زيّنا منتصف المخيّم وحائط جامع شاتيلا، الّذي بُني عند مقبرة مجزرة صبرا وشاتيلا الثانية. أردنا أن ننشر الأمل في الذكرى الثلاثين للمجزرة، ونستمدّ القوّة من بطولة شهداء المخيّم والقصص التي عاشوها. ونجحنا في ذلك، ورسم أطفال المخيّم معنا. كم كانوا رائعين هؤلاء الأطفال ومميّزين، لكن من بينهم كانت تلك الطفلة المميّزة على نحوٍ خاص. جميلة الملامح والوجه، نشيطة على نحو لا يوصف وكثيرة الحركة، ذكيّة وموهوبة، تلقي الشعر عن فلسطين إلقاءً يجبر العينين على البكاء، وماهرة في الدبكة أيضاً كما في الرسم. أما الأجمل، فهو اسمها، غاردينيا. تلك الزهرة البيضاء تمثلت في طفلة فلسطينيّة لتحمّلها اسمها بكلّ فخر وعنفوان.
مع الأمور الجميلة الدائمة في الملتقى حصل ما هو مؤلم لنا. وصلنا خبر وفاة أحد الشباب من صبرا بجرعة زائدة، ومنع أحد الأطراف السياسيّة اللبنانيّة من دفنه. بالرغم من أنّه أراد العلاج، لكنه وجد الأبواب مغلقةً في وجهه، وبدل من المساعدة على علاجه وضع في سجنٍ تباع فيه المخدّرات من قبل من يجب عليهم مساعدته وحمايته منها. ليدخل بعدها في غيبوبة لبضعة شهور ويُتوفّى. هذا الحدث وبالرغم من قساوته جمع الكثير من الشباب، وقرّب قلوب بعضهم من بعض، ليقرّروا التعاون في المساعدة والحدّ ممّا يحصل مع شبابنا من وراء الظلم والفقر.
هذه السنة أيضاً تميّزت بتعرّفي إلى صبيّة رائعة، ليست من مجموعة الرسم، لكنها من رام الله. هي أسيرة سابقة وبطلة، كانت تدافع عن الأسرى فانضمت إليهم في سجونهم لتصبح منهم، اسمها علا هنيّة. وفي وقتٍ قياسيّ أصبحت علا صديقتي الحميمة، بل أختي الصغيرة الرائعة. لم أخبرها بعد، لكنها كانت السبب الرئيسي في منحي المزيد من الثقة بالنفس، فقط لو تعلم كيف أنّ ما كتبته لي كذكرى قد أصبح دليلاً لي في حياتي ومعجماً. أرسلت إلي بعد وصولها إلى الأرض الطاهرة رسالةً على الفايسبوك تخبرني فيها، بأنّ الصهاينة ضايقوها عند الحدود مع الأردن، لكنّها لكيّ تبقى صامدةً؛ تذكّرتني أنا. كم شعرت بفخر اتّجاه ذاتي. أن أكون مصدر قوّة لشخص من فلسطينيي الداخل في الوقت الّذي أعتبرهم فيه مصدر قوّة وعزمِ لي.
مع وجود أختي هذه وباقي الشباب من فلسطين، شعرت بأنّ وطني حضر إلينا ليعطينا القليل من همساته وليزيد شوقنا للعودة إليه وتحدّي العالم من أجله، بمجيئهم التقيتُ على نحوٍ فعليّ؛ أرضي «لسطين».