القاهرة | قاعات مكيفة، أحاديث نخبوية، ضجيج إعلامي، اندماجات، تحالفات، تكتلات واستقالات. سمات تميز أنشطة الأحزاب السياسية في مصر في الآونة الأخيرة. فلم تجد الأحزاب السياسية أفضل من التحالف في ما بينها، استعداداً للانتخابات البرلمانية، التي لا يعرف أحد متى ستجري، ولا سيما في ظل تأكيدات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين بعودة مجلس الشعب المنحل بموجب حكم قضائي في الأيام المقبلة. الأحزاب تجاهلت الشارع ومطالبه ومشاكله وتفرغت لثرثرة النخب. ورغم أن جميع الأحزاب اجتمعت حول هدف واحد يتلخص في دولة مدنية في مواجهة دولة إسلامية، أخذت تحالفات الأحزاب طابعاً نوعياً. وبدلاً من أن تسفر جدليات النخب عن تحالف أو تحالفين يجمع القوى المدنية ويعزز جهودها في منافسة تيار الإسلام السياسي، عمدت هذه النخب إلى تكرار أخطائها التي أدت إلى انحصار المنافسة على رئاسة في مصر في أول انتخابات رئاسية تعددية حقيقية ما بين «مرشح الدين» ومرشح النظام السابق. وقامت بتوحيد صفوفها في 6 تحالفات قابلة للزيادة في مقابل تحالف متوقع بين جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الأحزاب السلفية لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة تحت شعار «الإسلام هو الحل». أما الفلول وأنصار النظام السابق، فلم يتركوا الساحة لأنصار الدولة المدنية من اليسار والليبراليين. وأعلن المرشح الرئاسي الخاسر أحمد شفيق، الذي حصل على أصوات جاوزت أربعة ملايين صوت خلال الانتخابات الرئاسية، إنشاء حزب يجمع ليس فقط المحسوبين على النظام السابق، بل المتضررين من هيمنة الإخوان تحت مسمى «الحركة الوطنية المصرية». إعلان شفيق حزبه جاء بالتزامن مع تدشين عدد من نواب الحزب الوطني المنحل لتحالف «نواب الشعب»، الذي يضم فلول الحزب الوطني والنظام المخلوع. وهم الفئة المعروفة بالأغلبية الصامتة أو حزب الكنبة. أهداف تحالف نواب الوطني وحزب شفيق جاءت واضحة وبعيدة عن كافة توازنات اليسار والليبراليين في مصر. وأكد المتحدث الإعلامي للتحالف، محمود نفادي، لـ«الأخبار»، أن نواب الحزب الوطني السابقين سيخوضون الانتخابات البرلمانية المقبلة للوقوف ضد هيمنة الإخوان المسلمين على السلطة في مصر. وشدد على أن «تحالف نواب الشعب سيخوض الانتخابات بغرض إعادة التوازن إلى الحياة السياسية والبرلمانية في مصر». وأضاف «بغض النظر عن الصورة الذهنية التي ترسخت في أذهان الكثير عن الحزب الوطني، بسبب شخصيات على شاكلة أحمد عز، إلا أن صفحة الحزب قد طويت بصدور حكم بحله». وذكر أن «نواب الوطني تعرضوا لظلم شعبي رغم ما قدموه من خدمات لأبناء دوائرهم».
وسيخوض التحالف، الذي يضم 77 من نواب الحزب الوطني المنحل، الانتخابات ضد جماعة الاخوان المسلمين، سواء على المقاعد الفردية أو من خلال القوائم، بعد إشهار عدد من الأحزاب الرسمية لمؤيدي النظام السابق على شاكلة حزب الوحدة، المقرر أن يقوم الصحافي مصطفي بكري، أحد مؤيدي المجلس العسكري المنحل، بإشهاره في الأيام المقبلة أو من خلال أحزاب الفلول المعروفة مثل حزب «الغد» برئاسة موسى مصطفى موسى.
وضوح أهداف تحالف الفلول يقابله تخبّط باقي القوى المدنية في الوصول إلى تحالف يجمعها ولو على أهداف انتخابية واحدة. فبعد تأليف تحالف «التيار الثالث» من أجل رفض الدولة الدينية والعسكرية وتكوين تيار مدني خارجهما من قبل عدد من الشخصيات العامة وما يزيد على 16 حركة وحزباً ليبرالياً منها حزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، المصريون الأحرار، التحالف الشعبي، العدل، الجبهة، الكرامة، وحزب الدستور، لم يوجه أعضاء التيار الدعوة إلى حزبي الوفد وغد الثورة لانحيازهما إلى جماعة الإخوان المسلمين، وخصوصاً في موقفهما المؤيد للجمعية التأسيسية وعدم الانسحاب منها مع بقية الأحزاب المدنية. ورغم نجاح هذا التحالف في جمع كافة رموز القوى المدنية حول هدف واحد، لم يستمر طويلاً، وذاب في كيانات وتحالفات جديدة، على الرغم من عدم إعلان حلّه حتى الآن. لكن القوى المشاركة في التحالف خرجت من عباءته وقامت بالتنسيق مع تحالفات أخرى. البعض ذهب إلى تحالف الأمة المصرية، والبعض الآخر اختار تحالف القوى الاشتراكية، فيما فضّل آخرون الانضمام إلى تحالف الجبهة الوطنية المصرية وغيرها من التحالفات الجاري التنسيق لها حالياً، ومن بينها تحالف اليسار المعروف بـ«التحالف الديموقراطي الثوري»، وعلى رأسه اليساري كمال خليل، وتحالف الليبراليين المعروف بتحالف الأمة المصرية الذي يتزعمه الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق عمرو موسى. كذلك يبرز أيضاً تحالف الناصريين وتحالف المرشح الرئاسي حمدين صباحي المعروف بالتيار الشعبي، لتبقى القوى المدنية في مصر بعيدة عن التوحد في مواجهة الهدف، حسب عضو مجلس الشعب السابق مصطفى النجار. وأوضح الأخير أن «المعارضة في مصر كبيرة ولها جماهيرية، ولكنها للأسف غير منظمة». ولفت النجار إلى أن «المعارضة في مصر تعاني من التشرذم، وهو ما يعزز فرص الإخوان المسلمين وباقي تيارات الإسلام السياسي بصفتهم فصيلاً منظماً ومترابطاً وأهدافه متقاربة. وهو ما يميز أيضاً تحالفات الفلول من حيث وحدة الهدف والتكاتف من أجل تنفيذه». ولذلك حذر النجار الأحزاب والقوى المدنية من التشرذم قائلاً: «الكرة في ملعب التيارات المدنية، وإن لم تتوحد خلال الانتخابات المقبلة فلا تلُم إلا نفسها».