استمرت الاشتباكات في مدينة حلب حيث ينفذ المقاتلون المعارضون هجمات متكرّرة على مراكز تابعة للقوات النظامية، في وقت أفاد فيه المرصد السوري لحقوق الانسان عن انسحاب المقاتلين المعارضين من أحياء في جنوب دمشق. وتعرضت أحياء هنانو، والشعار، والصاخور في شرق مدينة حلب ومساكن الفردوس للقصف من القوات النظامية، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان الذي أشار إلى اشتباكات في حيّ بستان الباشا. وأفادت وكالة «فرانس برس»، نقلاً عن مصدر عسكري، أنّ مسلحين شنوا هجوماً في منطقة ميسلون على نقاط تمركز للجيش السوري، «قامت مجموعة من وحدات الجيش تؤازرها مروحية عسكرية بصدّه، وقد استمر لأكثر من ثلاث ساعات». وقال المصدر إنّ مقرّ الاستخبارات الجوية وكتيبة المدفعية في منطقة الزهراء تعرّض «لهجوم من مسلحين فشلوا في الاقتراب منه»، مشيراً إلى «محاولات متكررة وشبه يومية للسيطرة عليه». وأشارت «فرانس برس» إلى أنّ الحياة في منطقة الميدان (وسط حلب)، التي أعلن الجيش السوري السيطرة عليها قبل يومين، لم تعد إلى طبيعتها بعد، مشيرةً إلى استمرار انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات الخلوية عن بعض أجزائها، فيما «لا تزال بعض شوارعها وحاراتها الفرعية تتعرض للقنص».
من جهة ثانية، نقل المرصد عن «مقاتلين من الكتائب المقاتلة إعلانهم الانسحاب من أحياء الحجر الأسود، والقدم، والعسالي في مدينة دمشق بعد معارك عنيفة مع القوات النظامية استمرت أياماً، رافقها قصف عنيف من القوات النظامية على هذه الأحياء».
في السياق، سيطر «الجيش السوري الحر» على معبر تل الأبيض على الحدود مع تركيا، بحسب ما أفادت وكالة «فرانس برس». وكانت وسائل إعلام تركية قد أكدت سيطرة المقاتلين المسلحين على المعبر الواقع على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، بعد معارك عنيفة خاضوها مع القوات النظامية.
وقال أبو عساف، أحد مقاتلي المعارضة، إنّ «الجيش السوري الحر سيطر على كامل المنطقة المحيطة بمعبر تل الابيض الحدودي»، مشيراً إلى أنّ المقاتلين «سيطروا على كلّ المباني الأمنية والحكومية على المعبر، ورفعوا علم الجيش الحر». وبثّت قناة «سي أن أن التركية» وشبكة «ان تي في» صوراً ملتقطة من الجانب التركي، بدا فيها علم المعارضة السورية مرفوعاً على أحد مباني الجمارك السورية على المعبر. وأوضح أبو عساف أنّ «العديد من جنود القوات النظامية استسلموا، وكثيرون غيرهم أصيبوا بجروح»، مشيراً إلى أنّ «الجيش الحر أرسل عدداً من المصابين للمعالجة في تركيا بحسب اتفاقيات جنيف» لمعاملة أسرى الحرب. وكانت شبكة «ان تي في» قد أفادت بأن ثلاثة من سكان مدينة اكجكال المقابلة للمعبر، أصيبوا برصاص طائش من المواجهات بين القوات النظامية السورية والمقاتلين. واتخذت السلطات التركية تدبيراً أمنياً قضى بإقفال المدارس في المدينة، يوم أمس.
في سياق آخر، أكد الجيش التركي، إثر تحقيق، أنّ طائرته المقاتلة كانت في الأجواء الدولية عندما أسقطتها الدفاعات الجوية السورية في شهر حزيران الماضي، وليس في المجال الجوي السوري. وخلص التحقيق، الذي أجراه مدّعون عسكريون، إلى أنّ الطائرة أف_4 التركية سقطت في المياه شرق البحر المتوسط نتيجة انفجار صاروخ سوري في جانبها الأيسر. وأفاد تقرير المدعين بأنّ الطائرة سقطت من قوة تأثير الانفجار الذي شلّ قدرة الطيارين والطائرة على العمل»، كما أضاف البيان. وقد لقي قائدا الطائرة حتفهما في الحادث.
من جهته، قال اللواء المنشق عدنان سلو، الرئيس السابق لأركان إدارة الحرب الكيميائية، في مقابلة مع صحيفة «التايمز»، إنه «شارك في محادثات على أعلى المستويات حول استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المقاتلين المتمردين والمدنيين على حدّ سواء». وأضاف «ناقشنا بشكل جاد استخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك طرق استعمالها وضمن أي مناطق، خلال اجتماع عُقد في مركز الأسلحة الكيميائية جنوب العاصمة السورية دمشق، وجرت مناقشة ذلك كحلّ أخير وفي حال فقد النظام السيطرة على منطقة مهمة مثل مدينة حلب». وقال سلو إنه متأكد من أن النظام السوري «سيستخدم الأسلحة الكيميائية في نهاية المطاف ضد المدنيين، وكان النقاش حول استعمالها القشة الأخيرة التي سبّبت انشقاقه عن النظام».
إلى ذلك، اتهمت منظمة العفو الدولية، في تقرير أصدرته أمس، الجيش السوري بقتل مدنيين معظمهم من الأطفال، في إطار حملة من الهجمات العشوائية، ودعت قوات المعارضة الى التوقف عن استخدام الأسلحة العشوائية. وقالت المنظمة إن تقريرها «استند إلى تحقيقات ميدانية مباشرة أجرتها في النصف الأول من شهر أيلول الحالي في الهجمات التي أدت إلى مقتل 166 مدنياً، من بينهم 48 طفلاً و20 امرأة في 26 بلدة وقرية في محافظة إدلب وجبل الزاوية، والمناطق الشمالية من محافظة حماة». ولفتت إلى أنّ «أنظار العالم ركزت إلى حدّ كبير على القتال في حلب ودمشق، غير أن أهوال ما حدث لسكان إدلب وجبل الزاوية وشمال حماة مرعبة من الهجمات العشوائية، والتي تشكل جرائم حرب».
وقالت المنظمة إن المجتمع الدولي لا يزال مشلولاً وتمزقه الخلافات التي حالت حتى الآن دون ممارسة أي ضغوط فعّالة للتأثير على المسؤولين عن مثل هذه الهجمات العشوائية التي تشكل جرائم حرب، وينبغي على المسؤولين عنها في سلسلة القيادة أن يعلموا أنهم سيواجهون المحاسبة، ولن يكون بمقدورهم الاختباء وراء عذر إطاعة الأوامر.
ودعت العفو الدولية مجلس الأمن الدولي إلى «تسريع عملية إحالة الوضع في سوريا على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لضمان تقديم مرتكبي جرائم الحرب هذه وغيرها من الجرائم بموجب القانون الدولي إلى العدالة».
وقالت إن مقاتلي المعارضة استخدموا في بعض الأحيان أسلحة غير دقيقة أيضاً، مثل مدافع الهاون، أو حتى الأسلحة العشوائية بطبيعتها مثل الصواريخ المحلية الصنع، في المناطق السكنية المأهولة بالسكان، مما عرّض المزيد من المدنيين للخطر.
ودعت المنظمة جماعات المعارضة السورية المسلحة والجماعات التي تنتمي إلى «الجيش السوري الحر» وغيرها إلى «الإيضاح لجميع المقاتلين الخاضعين لسيطرتها أن حقيقة أن القوات الحكومية تنتهك القانون الإنساني الدولي لا يعفي الانتهاكات الجسيمة المماثلة من جانبهم، وأن مثل هذه الانتهاكات لن يتم التسامح معها».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، سانا)