دمشق | ... وجرى ما لم يكن في الحسبان. ففيما كانت التحضيرات تشارف على نهايتها لانعقاد مؤتمر إنقاذ سوريا، الذي يضم أطياف معارضة الداخل في دمشق غداً، فُقِد وفد من هيئة «التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» الداعية إلى المؤتمر، يضم الدكتور عبد العزيز الخيّر وإياس عياش وماهر طحان على طريق مطار دمشق الدولي، وذلك إثر وصولهم من الصين.
وعن ملابسات الاعتقال، أوضح المنسق العام للهيئة، حسن عبد العظيم، الذي كان مع الوفد في الصين، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أنه خرج في تمام الساعة الخامسة مساء أول من أمس من المطار، بعد أن اطمئن إلى تجاوز جميع رفاقه في الوفد الذي رافقه إلى الصين باب مطار دمشق الدولي، واتصلوا جميعاً بعائلاتهم لطمأنتهم. وأضاف: «لكن دورية أمنية مكونة من 6 عناصر يرتدون جميعاً اللباس العسكري، أوقفتنا للتفتيش عند بداية طريق المطار باتجاه دمشق، بعد التدقيق في أوراقنا الثبوتية. سمح لي بعدها بمتابعة الطريق مع ابني جمال، لكن على ما يبدو اعتقلت هذه الدورية الأمنية بقية الرفاق، الذين كانوا يتبعوننا في سيارتهم».
وبعدما أكد أنه لا وجود حتى اللحظة لأخبار مؤكدة عن أسباب الاعتقال أو مكان وجود رفاقه في الوفد، رجح عبد العظيم وجود «جهات معينة غير راضية عن عقد مؤتمر للمعارضة الوطنية في قلب العاصمة دمشق، وتحاول جاهدة عبر ممارسات مختلفة، منها اعتقال رفاقي في الهيئة، إفشال هذا المؤتمر»، فيما نفت بعض الوسائل الإعلامية الموالية «أن تكون الأجهزة الأمنية لها علاقة بعملية الاعتقال»، وحمّلت مسؤولية هذه العملية «لعناصر تابعين للمعارضة المسلحة من الجيش الحر، بهدف تحميل النظام تبعات الاعتقال، لإفشال مؤتمر المعارضة قبل انعقاده».
وعن طبيعة المشاورات واللقاءات التي أجراها وفد الهيئة في بكين، أشار عبد العظيم إلى أنه «في اليوم الأول التقينا معاون وزير الخارجية الصيني، وفي اليوم الثاني التقينا وزير الخارجية (يانج جيه تشي) وعدداً من المسؤولين في دائرة الشؤون الخارجية لغرب آسيا وشمال أفريقيا وعدد من الخبراء السياسيين ومسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني». وأضاف: «استمع الجميع إلى وجهة نظر هيئة التنسيق الوطنية، ومطالباتنا بوقف العنف المسلح بكافة أشكاله في سوريا كلها، لتجنيب البلاد التدخل العسكري الخارجي، أو الحرب الطائفية». وتابع: «كذلك أكدنا دعواتنا السابقة للمسؤولين الصينيين من أجل الضغط على النظام السوري، للوقف الفوري للعنف والأعمال المسلحة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي». وأكد عبد العظيم التفاعل الإيجابي والتعاون البناء الذي أدت إليه المباحثات في بكين، فيما علمت «الأخبار» أن وفد الهيئة سمع من وزير الخارجية الصيني رغبة الصين بدعم الصوت الوطني الديموقراطي، إضافةً إلى وصول دعوات إلى الهيئة لزيارة كل من روسيا وإسبانيا من دون تحديد الوقت بعد. وأفادت معلومات لـ«الأخبار» من مصادر مقربة من هيئة التنسيق بأن مباحثات أعضاء الوفد في الصين تمخضت عن بحث احتمال عقد مؤتمر وطني قريب في روسيا يجمع معظم أطراف المعارضة وبعض الأطراف في النظام.
وتحدث عبد العظيم عن أن الصين قدمت ضمانات بحماية جميع أعضاء مؤتمر المعارضة الوطنية في الداخل، المقرر عقده في دمشق. ولفت إلى أن «القيادة السياسية الصينية، تعهدت ضمان سلامة جميع المعارضين المشاركين في المؤتمر، من لحظة وصولهم إلى مطار دمشق، وطوال مدة أقامتهم حتى خروجهم من مطار دمشق مرة ثانية». وأشار إلى أن «الصين ستشارك بوفد سياسي رفيع المستوى في المؤتمر». وأشار المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية إلى أن «ضمانات مماثلة قدمها كل من روسيا، والاتحاد الأوروبي، والأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي إلى سوريا، لضمانة سلامة جميع المشاركين في مؤتمر المعارضة، بعد أن قوبلت جميع مقترحات هيئة التنسيق الوطنية بعد المباحثات معها، بإيجابية والتأييد من قبلهم جميعاً». لكنه رأى أن حادثة اعتقال رفاقه في الوفد «رسالة تحذير وتهديد واضحة ومكشوفة من النظام السوري الذي كشف عن نياته السيئة وعدم موافقته على انعقاد مؤتمر للمعارضة الوطنية في قلب العاصمة دمشق، ويتناقض مع جملة الضمانات التي وعدنا بها أهم حلفاء النظام في سوريا».
بدوره، اعتبر عضو المجلس المركزي لهيئة التنسيق، صفوان عكاش، لـ«الأخبار» أن الاتهام الوحيد يوجّه إلى السّلطة وإلى فرع المخابرات الجوية تحديداً، وخصوصاً أن المعلومات الوحيدة المتوافرة عن الحادثة تفيد بأن «الخيّر كان مراقَباً في المطار من الجهات الرسمية، ورغم هذا فقد بلّغت الهيئة الكثير من الأطراف الرسمية والإعلامية ولا يزال البحث جارياً» لتحديد مكانهم.
وقرأ عكاش في هذا «الحادث المؤسف» محاولة للتشويش على مؤتمر الداخل، ولا سيّما أنّ «هُناك أطرافاً أُخرى ستعقد مؤتمراً صحافياً في نفس التوقيت والمكان الذي يعقَد فيه مؤتمر الإنقاذ»، في إشارة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء قدري جميل، الذي يعقد مؤتمراً صحافياً غداً في فندق برج الفردوس.
رغم ذلك، أكدت أوساط في الهيئة أن المؤتمر قائم وسيصدر بياناً في حال استمرار اختفاء العضوَين المعارِضَين لمناقشة سبل اتخاذ الإجراءات اللازمة رداً على محاولة استهداف المؤتمر والهيئة خصوصاً.
وحول التحضيرات للمؤتمر وجدول أعماله، أكد ممثّل اللجنة التحضيرية للمؤتمر رجاء الناصر، أن تيار بناء الدولة قد انسحب من المؤتمر، بينما جاء انسحاب حركة «معاً» من الهيئة فقط إلا أنها لم تنسحب من المؤتمر حتى اللحظة. ووفقاً للناصر، لم تدعُ هيئة التنسيق إلا من شاركها مواقفها، فيما أغفلت من يعدّ نفسه جزءاً من النظام أو يشارك في السلطة.
وكان مؤتمر «إنقاذ سوريا» قد بدأ على شكل فكرة لتجميع رؤى معارضة الداخل. وانطلقت اللجان التحضيرية للإعداد للمؤتمر منذ الشهر الرابع، إذ أُعلِن عنه في مؤتمر صحافي. وقد كان من المزمع عقده في الثاني عشر من الحالي ليصبح اليوم مطلباً ملحّاً في ظل العنف والتدمير المنهجي الذي تشهده البلاد.
ومن المتوقع أن تبدأ أعمال المؤتمر بكلمات للضيوف المشاركين قبل أن تليها مناقشة الجلسة الأولى ثم الجلسة العملية لينتهي المؤتمر بتوصيات واقتراحات يعقبها إقرار بيان الختام.
وسيشارك في المؤتمر 20 حزباً و 12 منظمة أهلية، بالإضافة إلى شخصيات عامة من المعارضين القدامى تمت دعوتهم للحضور وهم حسين عودات وعارف دليلة والطيب تيزيني.
وبحسب الناصر، فإن أهمية المؤتمر لا تأتي من عقد جلسة واحدة، بل بما ينتج منه من ورشات عمل على بعض القضايا العالقة، التي تهم المجتمع السوري، في ظل ما يهدّده من مخاطر. وفي مقدمة هذه المخاطر، النظام والحرب الأهلية وخطر التدخل الخارجي عسكرياً من أطراف متعددة، بالإضافة إلى خطر يومي يحيط بالمواطن السوري وهو متعلق بأعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية التي يفتقدها في بعض المناطق.
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عمّا إذا كان المؤتمر محاولة من معارضة الداخل لاستقطاب الرأي العام مقابل الاهتمام الإعلامي بالمعارضة الخارجية، رأى الناصر أن هناك محاولة واضحة لتهميش الصوت الوطني المعارض في الداخل، ما يجعل المؤتمر بمثابة إعلان صريح وواضح يقول: «نحنُ موجودون».
وأكد أن المؤتمر هو فرصة لتوحيد معارضة الداخل والخارج، بعد محاولة الاتصال مع بعض الشخصيات في الخارج التي لديها مبررات واضحة لعدم المشاركة بسبب استحالة الحضور ودخول الأراضي السورية، فيما امتنع عن ذكر أسماء منعاً لإحراج أصحابها. ومن اللافت حضور هيثم المناع إلى سوريا، في وقت اعتذر فيه المعارض ميشيل كيلو وباقي أعضاء المنبر الديموقراطي عن حضور المؤتمر «لاقتناعهم بأن لا جدوى من عقد مؤتمرات كهذا في هذا التوقيت». من جهةٍ ثانية، أشار الناصر إلى أن زيارة وفد الهيئة للصين لا علاقة لها بتوقيت المؤتمر، إذ إن الزيارة أتت من خلال شعور القيادة الصينية بضرورة توجيه دعوة للمعارضة الوطنية في الداخل.



مقاطعة تيار بناء الدولة السورية


تحدث رئيس تيار بناء الدولة السورية، لؤي حسين (الصورة) لـ«الأخبار» عن أسباب مقاطعته مع تياره لمؤتمر المعارضة قائلاً: «خلال الفترة التحضيرية للمؤتمر، عملت أطراف مختلفة من المعارضة السورية المشاركة والمنظمة للمؤتمر، على تحويله إلى مهرجان خطابي ليس إلا». وأضاف: «هذا ما يرفضه تيارنا باعتبار المؤتمر لا يقدم خطة عمل واضحة». ونبه حسين إلى أنّ «من المؤكد أن الحلول الفعلية والنتائج الميدانية ستغيب عن هذا المؤتمر، لأسباب كثيرة ومختلفة، أهمها بقاء النظام السوري المستبد في مكانه». وعن الحلول الجذرية للخروج من الأزمة، قال حسين: «لا بد لنا من توافق جميع أطراف الصراع في سوريا دونما استثناء، على إيجاد خطة عمل حقيقية على الأرض، والتخلص من المخاطر والمعوقات الكبرى التي تعوق الحل، أهمها بقاء النظام السوري في مكانه، وتدويل الأزمة، وارتفاع حدة المواجهات».