طرابلس | بعد يومين من تظاهرات نظمها شباب مدينة بنغازي شارك فيها قرابة مئة ألف مواطن تقدمهم نواب المدينة في البرلمان ووزراء وأعضاء المجلس المحلي، قرر رئيس المؤتمر الوطني الليبي، محمد المقريف، حل جميع التشكيلات الأمنية المسلحة غير المنضوية تحت رئاسة الأركان. وفي مؤتمر صحافي عقده منتصف ليل السبت، قال رئيس المؤتمر الوطني (البرلمان)، وهو يتلو بياناً في بنغازي (شرق)، «تقرر حل كافة الكتائب والمعسكرات التي لا تنضوي تحت شرعية الدولة».

وأضاف أن السلطات قررت أيضاً «تشكيل غرفة عمليات أمنية مشتركة في بنغازي من الجيش الليبي والأمن الوطني والكتائب المنضوية تحت» سلطته.
وتقرر «تكليف رئاسة الأركان تفعيل سيطرتها على الكتائب والمعسكرات المنضوية تحتها عن طريق قيادة تمثل قيادة الأركان في هذه الكتائب تمهيداً لدمجها بالكامل في مؤسسات الدولة»، حسب بيان المقريف.
وبعد طرد ميليشيا أنصار الشريعة من قواعدها في مدينة بنغازي يوم الجمعة الماضي، قالت وكالة الأنباء الليبية، أمس، إن الجيش الليبي أمهل الميليشيات والجماعات المسلحة 48 ساعة لإخلاء مجمعات عسكرية وأملاك الدولة وممتلكات أفراد النظام السابق في طرابلس والمناطق المحيطة.
وأتى هذا القرار الحاسم على خلفية تحرك ما يقرب من ألفي غاضب من شباب بنغازي، بعد التظاهرات التي طالبت بإخلاء مقار بعض الكتائب بالقوة، والتي سبقها إطلاق رصاص حي أودى بحياة 4 على الأقل وإصابة 10 آخرين، ما دفع رئيس المؤتمر الى تعيين قاضٍ للتحقيق في ملابسات هذه الجريمة.
لكن شباب بنغازي اعتبر هذه الحادثة لا تختلف كثيراً عن أحداث 17 شباط، حيث قام جنود النظام السابق بإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين وصبّ الزيت على النار، وخصوصاً بعد التصريحات التي أدلى بها متحدثون رسميون عن أن من قام بمهاجمة الكتائب هم مخمورون. وهي رواية وردت على لسان نظام العقيد الراحل معمر القذافي قبل عامين، الأمر الذي اعتبره نشطاء المجتمع المدني تكراراً لسيناريو خطاب «زنقة زنقة» الشهير.
وفي الوقت الذي رأى فيه غالبية نشطاء الحراك المدني في ليبيا أن بنغازي أمسكت بأطراف المبادرة من جديد ونقلت اللعبة من ديوان رئاسة الوزراء وفنادق العاصمة الفارهة، حيث يقيم الساسة، إلى الشارع مجدداً، نجحت «عاصمة الثوار» في تأليب الرأي العام في المدينة وإخراج السكان بكل توجهاتهم تحت مطلب محدد.
لكنّ معارضي «جمعة إنقاذ بنغازي» اعتبروا التظاهرة مؤدلجة، وأنها ردّ فعل ليبرالي على مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز في ليبيا.
وأكد شباب المدينة الغاضب المضي قدماً ضد تحول بنغازي مدينة الثورة إلى بؤرة للإرهاب، خصوصاً بعد استهداف ما يقرب من 5 بعثات أجنبية منذ مطلع نيسان الماضي.
التظاهرة التي رفعت فيها شعارات لا للإرهاب وقابلها تسليم بعض الكتائب من دون عنف لمقارها، فيما تمسك البعض الآخر بـ«شرعيته الثورية»، تبعتها قرارات أصدرها رئيس المؤتمر في حضور رئيس الوزراء مصطفى أبو شاقور، ورئيس الأركان وقادة الكتائب.
لكنّ منسق اللجنة الإعلامية لجمعة إنقاذ بنغازي، محمد بوجناح، رأى في حديث إلى «الأخبار» أن قرارات رئيس المؤتمر كان فيها نوع من الالتفاف على الحراك المدني الشعبي المطالب بحل المليشيات يوم الجمعة الماضي، حيث إنه لم تتم الاستفادة منه، ولا استثمار هذا الحراك بالشكل المطلوب. وأضاف أن الأمر تعدى هذا، ووصل الى حد المحاباة وإمساك العصا من الوسط. «فالمؤتمر الوطني قرر أن يسيّس القضية وأن يكسب نقطة على كتائب الثوار بأن تغاضى عن المطلب الشعبي بتجريم كل الكتائب، وقام بالالتفاف عليه بإنشاء لجنة مشتركة بقيادة الجيش الليبي وعضوية الأمن الوطني واللجنة الأمنية العليا المؤقتة، كما قام باستثمار جزء بسيط من الحراك لحل الكتائب التي ليس لها ثقل أو بعد إيديولوجي متوافق مع سياسته».
وأضاف بوجناح أن المؤتمر قام كذلك باسترضاء الشارع بأن عيّن قاضياً للتحقيق في ملابسات قتل المتظاهرين، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن القضاء في ليبيا لا حول له و لا قوة. وتابع أن «الإرادة السياسية تحطمت على صخرة الإيديولوجيا الصماء، وتم تقديم الشعب قرباناً للميليشيات والجماعات المسلحة».
وتشير مصادر مطلعة الى أن الأمر قد لا يقف عند قرارات مقننة الغرض منها إسكات الشارع وإخماد الحراك فحسب، بل إن الأمر يتطور بإعلان حالة طوارئ عامة في البلاد، فيما يكثر الهمس بأن البرلمان قد يصوّت على هذا قريباً. وهو ما اعتبره بعض نشطاء المجتمع المدني تقوية للميليشيات على الشارع.