تونس | لم تصمد التصريحات التي تحدث فيها زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، بصرامة عن السلفيين الذين «يهددون الأمن والحريات»، أكثر من ساعات، قبل أن يتراجع الأخير في تصريح للقناة الوطنية الأولى عما أدلى به للقناة الفرنسية «فرانس ٢٤». فنفى أي مواجهة ممكنة مع هذا التيار، على عكس لـ«فرانس ٢٤»، عندما دعا أجهزة الدولة الى مواجهة «الخارجين على القانون». تراجع زعيم حركة «النهضة»، كان يتوقعه غالبية المتابعين للمشهد السياسي في تونس. فالحركة الاسلامية الأولى في البلاد، لا يمكن أن تتخلى بهذه البساطة عن ذراعها الأساسية، التي تستعملها تطبيقاً لنظرية «التدافع الاجتماعي»، على حد تعبير الغنوشي، الذي قال إن السلفيين يعبّرون عن «ثقافة»، وإنهم «يذكرونه بشبابه»، فيما رأى الرجل الثاني في الحركة، رئيس الحكومة، حمادي الجبالي، أنهم «لم يأتوا من المريخ».
علاقة النهضة بالسلفيين هي السؤال الذي يشغل الشارع التونسي والدولي، وخصوصاً بعد أحداث السفارة الأميركية، التي مثلت قمة التحدي للدولة وأجهزتها الأمنية المعروفة بجاهزيتها العالية زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولا سيما في مواجهة التيارات الدينية.
ومثلت أحداث السفارة الأميركية فضيحة لتونس كدولة معروفة بحرصها على احترام تعهداتها الدولية، فيما مثّل القرار الأميركي بترحيل جزء كبير من الطاقم الدبلوماسي صدمة للشارع التونسي، الذي أصبح لا يصدق ما يحدث في بلاده.
وزير الداخلية، علي العريض، وحركة النهضة التي ينتمي إليها، دفعا ضريبة غالية بسبب التعنت السلفي، وهو ما أحرج الحركة دولياً، وقلل من حظوظ الثقة بها بالنسبة إلى شركاء تونس. أما داخلياً، فقد تواترت دعوات استقالة العريض، وهو الرجل الثالث في حركة النهضة، بعدما فقد ثقة المجتمع المدني بسبب فشله في الخطة الأمنية التي اعتمدها في مواجهة السلفيين، بسبب ضغوط قادة النهضة، الذين لا يزالون يرون في التيار السلفي حليفاً لا بد منه لتأديب الخصوم والحفاظ على قواعد الذين لا يخفون تعاطفهم مع السلفيين. وهو ما دفع زعيم المعارضة القوي الباجي قائد السبسي، إلى وصف السلفيين بـ«أبناء عم» حركة النهضة.
الانتقادات المتزايدة للحركة، والاتهام الذي وجهه زعيم حركة نداء تونس، صاحب العلاقات الدولية المتعددة، وتحديداً بعد إدارته المرحلة الانتقالية الأولى، اضطر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، إلى الإدلاء بتصريحات غير مألوفة، دعا خلالها إلى تطبيق القانون ضد السلفيين.
وفي الوقت الذي تقبلت فيه الأوساط الدولية بارتياح تصريحات زعيم النهضة المنقدة للسلفيين، سرعان ما تراجع الأخير عن كل ما قاله، في مغازلة واضحة للتيار السلفي، الذي يؤكد المطلعون على كواليس الإسلام السياسي في تونس أنه ليس أكثر من جناح لحركة النهضة.
وبات واضحاً أن الموقف من السلفيين أصبح يمثل مصدراً للتجاذبات غير المعلنة داخل النهضة. وهو ما تتكتم عليه الحركة المطالبة بموقف واضح من السلفيين. وتجد الحركة نفسها مضطرة الى إمساك العصا من الوسط بين الشارع التونسي، الذي يرى في السلفيين عدواً لعاداته ولتقاليد الدولة العريقة التي يفاخر التونسيون بأنها تعود الى اكثر من ٣ ألاف سنة، وبين الاستحقاقات الانتخابية، التي لا بد أن تراعي قواعد النهضة، التي اعتادت خطاباً لا وجود فيه لفوارق كبيرة مع السلفيين. فكلاهما يدعو الى أسلمة المجتمع في منظومة وهابية لا تخفى على أحد.
ويبدو اليوم أن النهضة ستدفع غالياً ثمن العلاقة مع السلفيين. فإذا دافعت عنهم ستخسر العلاقات الدولية والقوى الحية في المجتمع، وإن أعلنت عليهم الحرب، فستخسر الكثير من قواعدها.