في مؤتمر ثانٍ لقوى أخرى من معارضة «الداخل» السورية، عقدت «قوى التغيير السلمي الديموقراطي» مؤتمرها في قلب العاصمة السورية. وافتتح رئيس الجلسة عادل نعيسة المؤتمر من خلال دعوته إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لا يستثني أحداً من مكونات المجتمع السوري عن الطاولة، مشيراً إلى ضرورة إخفاء صوت القنابل وإسكاتها بهدف إيجاد مخرج، إذ لا مكان لكسر العظم في هذا البلد. من جهته، أكّد السفير الروسي في دمشق، عظمة الله كولمحمدوف، أهمية إيجاد حلول سلمية للأزمة السورية، تضمن مخرجاً قائماً على أسس رفض التدخل الخارجي بما فيه وقف التسليح والتمويل والعنف الفوري من جميع الأطراف، لافتاً إلى تأييد روسيا النهج المستقل للسياسة الخارجية السورية.
مفاجأة المؤتمر، التي كسرت روتين إلقاء الكلمات المتتابعة كانت دخول عناصر بلباس عسكري إلى قاعة المؤتمر أعقبها تصفيق حادّ من الموجودين في القاعة، ظنّاً أنهم من الجيش السوري. إلا أن المفاجأة كانت بعد اعتلاء أحدهم المنصة وتقديم نفسه على أنه المقدم المهندس خالد عبد الرحمن الزالم، الملقب بـ«العقيد أبو الوليد»، وهو نائب قائد المنطقة الجنوبية في «الجيش الحر»، الذي أعلن عودته عن انشقاقه وإلقاءه السلاح إيماناً منه بـ«أن لا سلاح شرعياً إلا بيد الجيش العربي السوري، وذلك بعد تعاونه ورفاقه مع وزارة المصالحة الوطنية لتسوية أوضاعهم». وختم كلمته بالحديث النبوي: «خير الخطّائين التوّابون». وأعقبه إلقاء كلمة للقائد السابق والمؤسس لعدة مجموعات في الريف الشمالي لمدينة حلب ياسر العبد، حيث دعا فيها كل من يحمل السلاح إلى التفكير بما يفعله، «فحمل السلاح ليس إلا اغتصاباً للفكر والحرية معاً».
من ناحيته، أدان الدبلوماسي الصيني سينغ ياو، في كلمة باسم السفارة الصينية، التفجيرين اللذين وقعا في قلب العاصمة السورية، مشدداً على أن موقف الصين من الأزمة السورية هو موقف موضوعي ومسؤول يرتكز على ضرورة وقف إطلاق النار وترك الشعب السوري يقرّر مصيره بإرادته. أما السفير الإيراني محمد رضا شيباني، فقد أشاد بالإصلاحات التي بدأتها الحكومة السورية، مشيراً إلى أن الحوار الشامل هو السبيل الأوحد للخروج من الأزمة. وأضاف أن إقامة هذا المؤتمر تدلّ على حسن نيات الحكومة تجاه الحوار الوطني، مؤكداً وحدة سوريا وسيادتها.
كلمات القوى والأحزاب المشاركة، بدأها عضو حزب العمل الشيوعي فاتح جاموس الذي أصرّ على رفض التدخل الخارجي التركي، داعياً إلى ضرورة التنبّه لمواجهة هذا التدخل وأدواته ومساندة الجيش السوري في ذلك، مع الثناء على دور الصفّ الدولي الصديق للشعب السوري.
وأضاف جاموس، في تصريح لـ«الأخبار» أن الاتهامات التي تطاوله من بعض أقطاب المعارضة تعود إلى «الطبيعة المتسلطة للنخبة في سوريا»، إذ رأى أن «موقفه لا يباع ولا يشترى سواء من النظام أو من مجلس اسطنبول»، وتابع بالقول: «نحن في طريق التغيير السلمي حرصاء على تجميع كل القوى التي تقف تحت لواء مفاهيم رفض العنف والتدخل الخارجي، بالإضافة إلى ضرورة تغيير النظام باعتباره نظاماً ديكتاتورياً وقمعياً».
أما رئيسة حزب «سوريا الوطن»، مجد نيازي، فقد تركزت كلمتها على أمن الناس وعيشهم كمنطلقاً لأيّ مبادرة، ورفض العقوبات الأوروبية والأميركية التي قامت ضد الشعب أولاً ثم ضدّ شخصيات النظام، بالإضافة إلى إدانة العنف المفرط والفساد المتجذر في النظام. ورداً على سؤال «الأخبار» عن الشكوك في أن حزب «سوريا الوطن» حزب معارض، أكدت نيازي أن المعارضة إذا كانت تعني القتل والعنف والاستقواء بالخارج، فالحزب يرفض المعارضة، أما إن كانت المعارضة بناء أداء الدولة وتقويمه ومكافحة الفساد، فهذا أمر مختلف.
من ناحيته، حضر قدري جميل المؤتمر بصفته التمثيلية عن حزب الإرادة الشعبية، لا بصفته نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ولفت إلى أنّ من مطالب المعارضة الوطنية تغيير النظام جذرياً، لكن بشكل سلمي، لأن الشعب السوري يستحق هذا التغيير. وأوضح أن سبب قبوله دخول الحكومة السورية هو اعتبار ذلك خطوة أولى لتكوين حكومة وحدة وطنية مستقبلية، لطالما طالبوا بها. وصرّح جميل لـ«الأخبار» بأن الحكم على المؤتمر بأنه لن يخرج بمقررات أهم من مقررات مؤتمر إنقاذ سوريا، الذي دعت إليه «هيئة التنسيق»، استباق للأمور، قبل أن يخرج المؤتمر بمقرراته القائمة على خريطة طريق للخروج من الأزمة. وأضاف أنّ عقد المؤتمر ليس رداً على مؤتمر إنقاذ سوريا؛ إذ سعت قوى الائتلاف إلى مؤتمر موحّد لتجميع قوى المعارضة كاملة، ولكنها أُقصيت. وحول الإصرار على عقد المؤتمر في ظل الأوضاع الأمنية المشددة، قال جميل: «العنف لدى البعض هو وسيلة للخروج من الأزمة، ونحن هُنا لنقول إن هذا لا يخيفنا».
أما كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي، فقد ألقاها طارق الأحمد، الذي أكّد أن حلّ الأزمة سوري، لافتاً إلى أن خيارات الحزب بسيطة وواضحة وتقوم على مدّ اليد لكل من يشترك في الإيمان بإمكانية التغيير السلمي والديمقراطي، فيما تمحورت كلمات ممثلي بقية الأحزاب حول إدانة قطر والسعودية، فيما لفت زهير مشعان، أحد ممثلي الحراك الشعبي السلمي، إلى ضرورة ضرب الفساد بكلّ أشكاله، والتغيير الشامل في البلاد، لا تغيير أشكال النظام ورموزه فقط.
وفي كواليس المؤتمر، التي تابعت «الأخبار» بعض لقطاتها، تحفظت نيازي على ما قام به منظمو المؤتمر من إدخال فقرة المنشقين العائدين إلى حضن الدولة من دون إعطاء فكرة للمشاركين عن ذلك، إذ سجّلت الكاميرات وقوف نيازي وجميع المشاركين عند دخول أشخاص باللباس العسكري ظناً من الجميع أن هؤلاء هم عناصر من الجيش السوري. ومع ترحيبها بعودة هؤلاء المنشقين ورفضهم العنف، إلا أن الأمر ما كان ليحصل لو علم ممثل الحزب في اللجنة التنظيمية بأنهم يقفون لعناصر تتبع سابقاً للجيش الحر، حيث بدا الأمر وكأنه تسويق لإحدى الوزارات. هذا ما رفضه وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، إذ قال في تصريح لـ«الأخبار» إن المصالحة الوطنية هي جزء من عمل المعارضة السورية، وتابع: «نحن أحزاب نعمل ضمن وزارة المصالحة الوطنية ولمصلحة هذا المشروع. وهي ليست مسألة فنية تقنية، إنما هي مشروع وطني يشارك فيه كل السوريين».