الجزائر | لا تتوقف قوافل الجيش الجزائري، إذ تتوجه من شمال البلاد الى أعماق الصحراء الكبرى مع اقتراب موعد تدخل عسكري محتمل في مالي، لم تعلن بعد ملامحه. ووسعت القواعد الجوية في العديد من المدن الصحراوية نشاطها وأقيمت مهابط جديدة للمروحيات، في حين زودت القوات القربية من الحدود بكاميرات شديدة الحساسية وبأجهزة الرؤية الليلية. وأفاد شهود بأن الوضع في المناطق الحدودية بات في الأيام الأخيرة يعطي الانطباع بأن اندلاع الحرب وشيك. وحتى في الولايات البعيدة عن الحدود، زادت دوريات مراقبة المعابر التي اعتاد المهربون استخدامها، وأقيم على نحو 400 إلى 600 كيلومتر جنوب العاصمة جدار أمني حقيقي من عشرات الآلاف من جنود وضباط الجيش والدرك وحرس الحدود، كلهم على أهبة الاستعداد لأي طارئ.
ويأتي الاستنفار الجزائري هذا في وقت زاد فيه الحديث في الغرب عن قرب موعد تدخل قوات أجنبية لتحرير شمال مالي من قبضة الإسلاميين المتشددين من تنظيم القاعدة والمنظمات القريبة منه الذين أعلنوا بداية العام الجاري إقامة إمارة إسلامية في مناطق الأزواد.
وتفيد تقارير صحافية وتصريحات أمنية وسياسية من هنا وهناك بأن حسم التدخل صار مسألة وقت فقط، وأن القرار اتُّخذ فعلاً ويُرشَّح أن يكون من قوى إقليمية تقودها نيجيريا (أكبر دولة افريقية بتعداد السكان، وهي أيضاً من أكثر المتضررين من إقامة الإمارة الإسلامية، لما لها من تأثير على دعم جماعة «بوكوحرام» الإسلامية المتشددة التي ارتكبت جرائم شنيعة في نيجيريا).
وتدفقت على منطقة الساحل الأفريقي في الأشهر الأخيرة فرق من الخبراء العسكريين الأمنيين من مختلف البلدان، فيما يتم تنسيق استخباري كبير بين هذه الأجهزة لترتيب اكتساح لشمال مالي بأقل ما يمكن من الأضرار بالاستفادة من تجارب التدخلات السابقة في أماكن أخرى من العالم.
وبينما أفصحت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومجموعة دول غرب أفريقيا عن موقفها الداعي إلى اقتلاع الجماعات المتشددة بالقوة، كونه السبيل الوحيد لسلامة وحدة البلد وأمن المنطقة، ظل موقف الجزائر متردداً وصوتها خافتاً مع أنها القوة الأكبر في المنطقة مساحة وسكاناً وأمناً واقتصاداً، وهي التي تقود «هيئة الأركان المشتركة لدول الساحل»، التي تضم أيضاً مالي والنيجر وموريتانيا.
حتى في هذه الأجواء التي تُقرع فيها طبول الحرب ويسمعها كل العالم، يردد الجزائريون عبارة «الحل السياسي السلمي» المستحيل في نظر الخبراء الدوليين، لأن الجماعات التي سيطرت على شمال مالي فعلت ذلك بالقوة وفرضت نظاماً غريباً على السكان لم يسبق للسكان أن عاشوه.
ومهما يكن، فإن الوضع يعكس ضعف أركان الدولة الجزائرية داخلياً وخارجياً، فإن تورطت في مالي دخلت مستنقعاً ينهكها ويُعرّضها أكثر للابتزاز، وإن امتنعت قبلت بقوى بعيدة تلعب في حدائقها الخلفية.
الاستنفار إذاً متواصل، والقوات تتموقع قرب المدن الصحراوية الكبرى والمطارات ومواقع النفط والغاز. وثناء أميركا وبريطانيا وفرنسا على قدرات الجيش الجزائري وتجربته في مكافحة الإرهاب لم تتمكن بعد من جر السلطات إلى اتخاذ قرار بعمل عسكري خارج الحدود، وهو قرار يمنعه قانون الجيش الدفاعي الجزائري حتى الآن، ولم يتخذ مثله منذ تشرين 1973، حين شاركت القوات الجزائرية في الحرب العربية الإسرائيلية.