الجزائر | خرج مئات من سكان حي «حيدرة» الراقي بالعاصمة الجزائرية يشاهدون قيادات واتباع جبهة التحرير الوطني، وهم يتعاركون ويتضاربون ويتشاتمون قرب المقر المركزي للحزب. في شوارع «حيدرة» ركض الهاربون والمطاردون وحضرت العصي والحجارة والسلاسل الحديدية وكل ما يمكن أن يؤذي الخصم، ابطالها من فريقين، احدهما يدعم الامين العام الحالي عبد العزيز بلخادم المتكئ على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والآخر يريد زحزحته وتجاوز ارادة الرئيس للمرة الأولى منذ العام 1999، حين كان الجميع يردد انشودة «بوتفليقة زعيمنا وموحدنا». الاحداث فرضت تدخل شرطة مكافحة الشغب عدة مرات في الايام الاخيرة للفصل بين الفريقين المتناحرين ووقف الاشتباكات. كذلك أمر بلخادم بمنع جميع من ينتسبون لـ«التقويمية» وهم خصومه الذين يدّعون تقويم الاعوجاج في توجهات الحزب، من دخول المقر واستعان بالقوة العمومية لتنفيذ امره. لكن في كثير من بلديات وولايات البلاد تمكن المعارضون من احتلال المقار. في كل مكان هناك كرّ وفرّ بين الفريقين، وكلما اطمأن احدهما إلى تحقيقه «نصراً ميدانياً» حضر الآخر ليأخذ منه المكسب ويعيد المواجهة إلى نقطة البداية. ويشبّه كثيرون ما يجري هذه الأيام بالاضطرابات الداخلية التي عاشها الحزب عامي 2003و 2004 حين تجرأ الامين العام للحزب ورئيس الحكومة، وقتها، علي بن فليس، على اعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية منافساً للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ما أدى إلى انشطار الحزب إلى كتلتين متحاربتين احداهما مدعومة عملياً من السلطة بقيادة بوتفليقة والثانية أوحي اليها أنها مدعومة من قطاع من الجيش يريد احداث تغيير على رأس هرم الحكم ورأى في بن فليس الفارس الاجود لهذه المهمة. في تلك الاثناء أيضاً خرج الصراع الداخلي إلى العلن في شكل اشتباكات سقط فيها جرحى، وتظاهر نواب البرلمان المنتمون لجبهة التحرير في الشارع ورفعوا شعارات مناوئة للرئيس اعتقاداً منهم أن ثمة فعلاً قوة مؤثرة تؤازرهم، لكن تبين في ما بعد أن بن فليس ومن جاراه كانوا ضحية خدعة، فكل ما جرى محبوك من اطراف في السلطة الغرض منه اعطاء صدقية لانتخابات 2004 الرئاسية واظهارها للعالم أنها شبيهة بالمنافسات الانتخابية في البلاد الديموقراطية، لكن فقط مع سيناريو واخراج رديئين للغاية. وكان بن فليس ذاته صعد إلى رئاسة الحزب بانقلاب على بوعلام بن حمودة وهذا الأخير صعد بما سمي «الانقلاب العلمي» على الراحل عبد الحميد مهري، اعده ونفذه قياديون بمباركة ومساعدة مباشرة من مصالح الأمن وهي القوة الاكثر نفوذاً في البلاد. لقد كانت جبهة التحرير الوطني دائماً ترموميتر الوضع السياسي والواجهة التي تختبئ وراءها سيناريوهات ومشاريع السلطة، ويعكس الشكل العام للصراع الدائر داخلها اليوم احد أمرين: اما أن ثمة صراعات حادة داخل جهاز الحكم حول مسائل تتعلق بالتوازنات بين الصلاحيات والامتيازات والنفوذ، أو أن ثمة مشروعاً متفقاً عليه ويجري اشغال المجتمع بهذا الصراع لتمريره، وهذا بحسب كثير من المحللين الأقرب في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن الذي يفرض على الحكم التماسك والتكاتف لتجاوز العواصف المحتملة.
وفيما يأتي الخلاف في ظل تحضير حزب الأغلبية البرلمانية للانتخابات الأكبر والأشمل وتخص تجديد مجالس البلديات والولايات (المحافظات) بعد شهرين، يرى المراقبون والمتابعون للشأن السياسي أن الامر عادي جداً كون الحزب اعتاد على مثل هذه الاوضاع.