ما ساد من أجواء تصعيدية بين سوريا وتركيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، تبدّد مع تقدّم ساعات نهار أمس، إثر اتصالات ولقاءات وزيارات أسفرت عن احتواء، ولو مؤقت، للأزمة الحدودية بين البلدين، والتي نتجت من قصف سوري لقرية تركية، ردّت عليه أنقرة بالمثل. فبعد المساعي التركية للإيحاء بأنها في طريقها للتدخل العسكري المباشر في سوريا، ولا سيما عبر استصدار موافقة من البرلمان في هذا الشأن، عاد رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى التأكيد أن بلاده لا تنوي شنّ حرب على سوريا، وذلك بعد لقاء نائب الرئيس الإيراني، محمد رضا رحيمي، الذي حطّ في أنقرة أمس في إطار مساعي الاحتواء. المساعي الإيرانية كانت سبقتها أخرى روسيّة، تلاها إعلان الحكومة التركية تلقي اعتذار من نظيرتها السوريّة، غير أن المندوب السوري في الأمم المتحدة، بشّار الجعفري، نفى أن تكون بلاده قد وجهت رسالة اعتذار إلى تركيا، مطالباً تركيا بالمقابل بالاعتذار.
اليوم السوري التركي الطويل بدأ بانعقاد البرلمان التركي الذي وافق على طلب للحكومة بمنح الجيش إذناً لشنّ عمليات عسكرية في سوريا «إذا اقتضى الأمر». ولكن أنقرة سارعت إلى التأكيد أنّ هذا التفويض ليس إعلان حرب على دمشق. وشدّد نائب رئيس الوزراء التركي، بشير اتالاي، أنّ «هذا التفويض ليس تفويضاً بشنّ حرب»، موضحاً أنّه سيكون بمثابة «رادع»، فيما أكّد أنّ سوريا أقرّت بمسؤوليتها عن القصف وقدّمت لأنقرة اعتذارها عن ذلك.
هذه التأكيد التركي عززه أردوغان مساءً حين أعلن أن بلاده «لا تنوي شن حرب على سوريا». وقال، في مؤتمر صحافي مشترك مع رحيمي، «كل ما نريده في هذه المنطقة هو السلام والأمن. تلك هي نيتنا. لا ننوي شنّ حرب على سوريا».
وكان أردوغان قد أعلن، في ختام اجتماع طارئ جمع مستشاريه عقب القصف السوري، أنّه «لن تسمح تركيا أبداً للنظام السوري بالقيام بمثل هذه الاستفزازت من دون عقاب، والتي تهدّد أمننا القومي ضمن احترام القانون الدولي وقواعد التدخل».
غير أن الحديث عن الاعتذار السوري الذي راج خلال النهار، بدّده مساءً المندوب السوري في الأمم المتحدة، الذي قال إن الحكومة السورية لم تقدم أيّ رسالة اعتذار إلى الحكومة التركية، ولن تقدم أي اعتذار لها. وشدّد على أنّ «الحكومة السورية بصدد التحقيق في الحادثة وليس الاعتذار».
ولفت الجعفري إلى أنّ «حديث وزير الاعلام السوري عمران الزعبي هو موقف الحكومة الرسمي، وهو لم يقل إنّ سوريا تعتذر». وأشار إلى أنّنا «انتظرنا منذ سنة و8 أشهر الحكومة التركية لتعتذر عما كانت تفعله هي لنا. إنه تطور مأسوي أنّ المرأة التركية قتلت مع أطفالها، ونتعاطف مع ذلك بكل ما يمكن، لأنها مواطنة مدنية تركية بريئة ونحن لا نعرف من أطلق القذيفة حتى الآن، لأن هناك الكثير من المجموعات في تلك المنطقة، وكلّ هذه المجموعات تريد افتعال مشكلة بين سوريا وتركيا، لذا على من يحلّل وينظر إلى ما حصل أن يكون حذراً».
وكان الزعبي أعلن، في وقت متأخر أول من أمس، فتح تحقيق لمعرفة مصادر النيران، و«قدّم التعازي باسم سوريا» إلى الشعب التركي «الصديق».
حديث الاعتذار كان لمّح إليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي دخل أمس أيضاً على خط الوساطات، إذ أعلن أنّ السلطات السورية أكّدت لموسكو أنّ القصف الذي استهدف الأراضي التركية هو «حادث مأسوي»، مشدداً على وجوب أن تعلن دمشق ذلك رسمياً.
لكن روسيا، في المقابل، أبقت على حماية دمشق من الإدانة الدولية بعدما اجتمع أعضاء مجلس الأمن الدولي، بطلب تركيّ، للتشاور في شأن إصدار بيان تعليقاً على الحادث الحدودي، إذ أبدت موسكو تحفظات على مشروع البيان، قبل أن تدخل تعديلات عليه تطلب بموجبها من الطرفين ممارسة ضبط النفس وتفادي الاشتباكات العسكرية التي قد تؤدي إلى المزيد من التصعيد في المنطقة، فضلاً عن تخفيف التوتر والخروج بمسار نحو حلّ سلمي للأزمة السورية.
ونصّ البيان على إدانة القصف السوري الذي أدى إلى مقتل خمسة أشخاص جميعهم نساء وأطفال، حسب النص الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه. ورأى أن ما جرى يظهر أن النزاع في سوريا بدأ يتفشى إلى الدول المتاخمة «إلى مستوى مثير للقلق»، وبالتالي يرى المجلس أن خرقاً كهذا للقانون الدولي «يشكل تهديداً جدياً للسلم والأمن الدوليين». وطلب المجلس وقف الخروق المشابهة فوراً، كما طلب من الحكومة السورية احترام سيادة الدول المجاورة ووحدتها.
وفي ردود الفعل، أبدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون غضبها بعد إطلاق قذيفة مورتر من داخل سوريا على بلدة في تركيا، وقالت إن واشنطن ستبحث مع أنقرة الخطوة التالية. ووصفت امتداد العنف إلى خارج الحدود السورية بأنه «وضع خطير جداً».
من جهتها، حثّت طهران كلاً من دمشق وأنقرة على ضبط النفس. ونقلت وكالة «فارس» تصريحاً لمساعد وزير الخارجية للشؤون العربية، حسين أمير عبداللهيان، «على الطرفين أخذ المتطرفين المسلحين والمجموعات الإرهابية في المنطقة في الاعتبار. أمن المنطقة يعتمد على تعزيز ضبط الحدود السورية».
من ناحيتها، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنقرة إلى «الاعتدال» في ردّها على القصف السوري. وقالت «أظنّ أنّ الأهم في الوقت الراهن هو اعتماد الاعتدال». وأدانت «بأشد الحزم الهجمات السورية على تركيا». وأضافت «إنّنا نقف إلى جانب تركيا».
في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن فرنسا تقف إلى جانب تركيا. وأضاف «أريد وأتمنى أن يقرّ المجتمع الدولي بأكمله رسالة واضحة وسريعة تدين السلطات السورية بقوة». كذلك قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إنّ الردّ العسكري التركي على الهجوم السوري يمكن تفهمه، لكن يجب تفادي تصعيد الموقف. وأضاف «الردّ التركي مفهوم، فقد حدث عمل شائن. وبالتالي نعبّر عن تضامننا الشديد مع تركيا، لكننا لا نريد أن نشهد تصعيداً مستمراً لهذه الحادثة».
أما وزير الخارجية الإيطالي، جوليو تيرسي، فرأى أن المجتمع الدولي «عاجز» ومجلس الأمن «مصاب بالشلل» إزاء التعامل مع الأزمة في سوريا. وقال إن «مجلس الأمن مصاب بالشلل من الناحية الأمنية. وبالتالي فإن المجتمع الدولي يقف عاجزاً في ما يتعلق بإمكانية نشر قوة، نأمل دائماً نحن الايطاليون أن تكون فعالة حقاً وحازمة لوضع حدّ للعنف».
وأدان الاتحاد الأوروبي بشدّة القصف السوري، وحثّ «جميع الأطراف» على ضبط النفس. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، إنّ «الحادث يظهر بوضوح النتائج المأسوية لانعكاس الأزمة السورية على الدول المجاورة».
عربياً، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، إن الاعتداء الذي تعرضت له البلدة التركية يمثّل تهديداً للأمن والسلم. وفي بيان أصدرته الجامعة العربية، حذّر الأمين العام من مغبة هذا التطور الخطير للأحداث على الحدود التركية السورية، وما يحمله ذلك من تهديد خطير للسلم والأمن في المنطقة والأمن العالمي.
بدورها، دعت مصر الحكومة السورية إلى عدم الاعتداء على حدود الدول المجاورة. وفي بيان، طالب وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، سوريا «بأن توقف إراقة الدماء على أرضها، وحذّر من المخاطر التي تحدق بالمنطقة بأسرها جرّاء احتمالات اتساع نطاق الأزمة السورية».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)