الجزائر | شيع الجزائريون، أمس، رئيسهم الأسبق، الشاذلي بن جديد، في موكب جنائزي مهيب من قصر الشعب الواقع في وسط العاصمة إلى مقبرة العالية الواقعة في الضاحية الشرقية للمدينة، وسط إجراءات أمنية مشددة. وسار الموكب وسط حشود من المواطنين من مختلف الأعمار، قدموا من ولايات بعيدة واصطفوا على الأرصفة لمتابعة الحدث. كذلك أطلقت النسوة الزغاريد من الشرفات في عادة ورثنها من زمن الثورة حين كنّ يستقبلن أخبار سقوط الشهداء بالزغاريد. وألقى المسؤولون الكبار المدنيون والعسكريون نظرة الوداع على جثمان بن جديد في القاعة الكبرى بقصر الشعب، ثم فُسح المجال أمام العامة للترحم عليه، قبل نقله إلى مثواه الأخير.
وقد دفن بن جديد في مربع الشهداء إلى جانب الرؤساء السابقين هواري بومدين ومحمد بوضياف ورابح بيطاط وأحمد بن بلّة، وبجوار ضريح الأمير عبد القادر الجزائري وعدد من شهداء ثورة التحرير.
ولم تكن الجنازة كبيرة بالحجم الذي أرادته شخصيات دعت إلى أن تكون الأكبر في تاريخ البلاد، بل جاءت أصغر جنازة رئيس نظمتها الجزائر حتى الآن، رغم رصد الدولة إمكانات كبيرة لتحقيق هذا الغرض. وعلمت «الأخبار» أن مسؤولين في ولايات كثيرة وفروا النقل مجاناً وشجعوا الناس على التوجه إلى العاصمة لتوديع الرئيس الشاذلي إلى مثواه الأخير والمساهمة في تضخيم عدد المشيعين.
وتقدم الرئيس عبد العزيز بو تفليقة المشيعين، فضلاً عن القيادات الرسمية والحزبية والعسكرية والأمنية الجزائرية. وحضر وزيرا خارجية تونس، رفيق عبد السلام، والمغرب سعد الدين العثماني، بالإضافة إلى وزيري الشؤون الدينية، المصري طلعت سالم، والموريتاني أحمد ولد نيني. كذلك حضر عباس زكي ممثلاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس وجوعان بن حمد آل ثاني، نجل أمير قطر ممثلاً والده.
وأجمعت تعليقات المشيعين على الإضاءة على الإنجازات التي تحققت في عهد بن جديد وعلى دوره خلال ثورة التحرير، حيث كان ضابطاً أبلى البلاء الحسن، وأيضاً حين كان قائداً لأصعب وأخطر ناحية عسكرية في البلاد هي ناحية الغرب المتاخمة للحدود مع المغرب، وهي منطقة كانت مضطربة منذ استقلال البلاد بالنظر إلى الخلاف الحدودي بين البلدين ثم لاندلاع الأزمة في الصحراء الغربية عام 1975. وأرجع كثير منهم الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية في فترته الرئاسية إلى الأزمة الكبيرة التي سببها انهيار سعر النفط منتصف الثمانينيات.
من جهة أخرى، طغى رحيل بن جديد أمس على اخبار الصحف الجزائرية، التي خصصت مساحات مهمة لحياة الرئيس وفترة حكمه ومرضه ووفاته الى التحضير لتشييعه. وانقسمت الآراء بين الصحف في توصيف مرحلة حكم بن جديد بين من ركز على الجوانب الإيجابية من فترة حكمه، ومن ركز على الجوانب السلبية؛ لأنها كانت بحسب الكثيرين مرحلة التأسيس للخراب والفساد المنظم والمقنن لجهاز الحكم. وعنونت «جريدتي»، المملوكة للضابط السابق في المخابرات هشام عبود، على صفحتها الأولى «الشاذلي بن جديد لم يكن ديموقراطياً ولا حبيب له في الجزائر». واتهمت الصحيفة من يتحدثون عن إيجابيات خلال 13 سنة من حكم الشاذلي بالكذب والبهتان. كذلك انتقدت عديد الصحف من «يشوهون التاريخ» بتقديم الشاذلي على أنه أبو الديموقراطية وأبو الإصلاحات. وكتب بعضهم أنه ما كان ليفتح المجالين السياسي والإعلامي لولا تضحيات المئات ممن قتلوا برصاص الجيش والشرطة في تشرين الأول 1988. وقد اعترف بن جديد يومها في خطاب بعد خمسة أيام من المواجهات بأنه هو من أصدر الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين.



انقسمت آراء الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي في توصيف فترة حكم الشاذلي بن جديد (الصورة). فمنهم من رأى أنه حكيم ووطني، وفي وقته كان الأمن والسلم الاجتماعي محققين. ومنهم من رآى أنه أبو الديموقراطية؛ لأنه هو من قرر إعلان التعددية الحزبية بعدما كان البلد بحزب واحد منذ استقلاله عام 1962. لكن ثمة من شنوا على فترته الرئاسية التي امتدت 13 عاماً هجوماً عنيفاً؛ لأنها بداية إفلاس البلد، وفي وقته تأسست المافيوية في جهاز الحكم، وفي وقته بيعت قصور الدولة ومزارعها ومصانعها بالدينار الرمزي للحاشية، فتشكلت طبقة الأثرياء الجدد المتوحشين. كذلك رآى البعض أن في وقته استخدمت مؤسسات الدولة وإمكاناتها لبناء تيار أصولي رجعي متخلف استخدمه كلما دعت الضرورة لكسر التيارات التقدمية والديموقراطية.