تونس | تتجه أنظار التونسيين إلى مبادرة الحوار الوطني، التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل التوصل إلى صياغة وثيقة توافقية بين الفرقاء السياسيين، على أن يكون اللقاء الأول يوم ١٦ تشرين الأول المقبل قبل حلول موعد ٢٣ تشرين الأول، الذي يثير الكثير من الجدل في الشارع التونسي. وتضمنت المبادرة المقترحة من الاتحاد مجموعة من النقاط، منها تأكيد مدنية الدولة والنظام الجمهوري وإدانة العنف والتنديد بمرتكبيه وتتبعهم قضائياً والتوافق على الهيئة العليا للانتخابات وتحديد موعد نهائي لها وأحداث هيئة مؤقتة للقضاء العدلي. كذلك شددت المبادرة على ضرورة إعادة هيكلة جهاز الأمن، بما يضمن تحييده عن كل التجاذبات السياسية حتى يكون آمناً جمهورياً، وإحداث هيئة مستقلة للإعلام، وكذلك الفصل بين الحزب والدولة وضمان حياد الإدارة وتحييد المساجد والمؤسسات التعليمية وتكريس شفافية الانتداب في الوظيفة العمومية.
ولاقت المبادرة تجاوباً من كل الأحزاب السياسية، سواء التي في الحكم أو في المعارضة، كذلك لقيت تجاوباً من الحكومة ومن المجلس الوطني التأسيسي ومن المنظمات والجمعيات الوطنية.
ولم يكن غريباً أن تلقى المبادرة هذا التجاوب، فقد كان اتحاد الشغل دائماً عنصر توازن كبير في تونس. فالاتحاد، الذي يمثل القوة الأولى في البلاد، كما يقول النقابيون، خاض معركة التحرير وبناء الدولة، كذلك كانت له مواجهات مع السلطة، وكانت له الكلمة الفصل في الحراك الاجتماعي الذي انتهى برحيل نظام زين العابدين بن علي. لكل هذه الأسباب يتطلع التونسيون بكل توجهاتهم السياسية إلى هذه المبادرة لنزع فتيل الاحتقان الذي بلغ درجة غير مسبوقة في الأيام الاخيرة. وخلافاً للعادة، لم يقتصر التوتر على مناطقه التقليدية في محافظات سيدي بوزيد وقفصة والقصرين التي عانت طويلاً التهميش، بل وصلت حتى إلى جزيرة جربة الحالمة التي لم تعرف أي توتر حتى في الأيام الاولى لسقوط النظام. كذلك شهدت منطقة قلالة في جزيرة جربة توتراً غير مسبوق نهاية الأسبوع، إذ أُحرقت مجموعة كبيرة من سيارات الأمن ومقر حركة النهضة.
احداث جربة أكدت مرة اخرى أن تونس مهددة فعلاً بانفجار العنف واتساع مساحته ما لم تتفق الأطراف السياسية على خريطة طريق لا يقصى منها احد، وهو ما طرحه اتحاد الشغل، الذي أعلن أمينه العام حسين العباسي، أن الاتحاد لن يقصي أي حزب حاصل على تأشيرة قانونية ولا أي منظمة ولا جمعية، وهذه اول مبادرة منذ ١٤ يناير لا يستثنى منها الدستوريون من أنصار النظام السابق. ورغم اعلان حركة النهضة وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحركة وفاء، المنشقة عن حزب المؤتمر، أنها لن تشارك في اي حوار يحضره بقايا النظام السابق، كما يسمونهم، بما في ذلك حركة نداء تونس بزعامة الوزير الاول السابق، الباجي قائد السبسي، فإن تمسك الاتحاد بدعوة كل الأطراف يبدو أنه سيدفع الرافضين للحوار مع نداء تونس والدساترة إلى القبول بالأمر الواقع. وقد اكد أغلب اعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل أنهم لن يقصوا أي طرف، وبالتالي سيعزل المنسحبون من الحوار انفسهم. مبادرة الحوار الوطني التي ستنطلق يوم ١٦ تشرين الاول يعلق عليها التونسيون آمالاً كبيرة لقطع الطريق امام تفشي العنف في الشارع السياسي والتوافق على الحد الأدنى من أجل إنقاذ المسار الديموقراطي. فهل ينقذ الاتحاد الذي ورث نضالات فرحات حشاد ومحمد علي الحامي والحبيب عاشور من أجل بناء الدولة تونس وثورتها ومسارها الديموقراطي؟ هذا ما يأمله التونسيون.