صنعاء | «لا للدولة الأمنية، لا للعسكر، جامعتنا حرّة حرّة». هتف 100 طالب في جامعة صنعاء يوم الأول من تشرين الأول 2012. كانت هذه تظاهرتهم الرابعة المناهضة لعسكرة جامعة صنعاء، بعدما نظّم القطاع الطلابي في الحزب اليمني الاشتراكي التظاهرة الأولى يوم الأحد بتاريخ 17 أيلول، والتحق بها الكثير من الطلاب غير المحزّبين. وعبّروا في التظاهرة عن رفضهم للاحتلال المستمر للجامعة. هذا الرفض موجّه إلى الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، الذي كان مقرباً من الرئيس السابق صالح، وصاحب التاريخ الدموي والفاسد، قبل أن ينشق عنه في 21 آذار 2011 عقب أحداث مجزرة جمعة الكرامة.
منذ ذلك الحين، انتشرت قوات الفرقة الأولى مدرع حول ساحة التغيير، مركز التحركات، بحجة تأمين الحماية. الساحة تقع قبالة الجامعة، ما سهّل دخول قوات الفرقة الأولى مدرع إلى المنشأة التعليمية.
وقتها، انتابت المتظاهرين المؤيدين للديموقراطية مشاعر مختلطة حيال هذه الخطوة. ورغم ذلك، قبلت غالبية الطلاب العظمى قرار محسن، ورحبت به هاتفة، «أهلاً أهلاً بالفرقة الأولى مدرع، وبقائدها علي محسن».
ورغم أن ساحة التغيير لم تعد مغلقة، والعديد من الشوارع فُتحت لتسيير حركة المرور، لا تزال الجامعة تحت سيطرة الفرقة الأولى مدرع، علماً أن النظام السابق لم يعد يتوعّد المتظاهرين.
بيد أن البعض لا يزال يشعر بالحاجة الى الحماية. سامي، أب لطفلين ومتظاهر اعتصم داخل الخيم في ساحة التغيير، يقول «أعلم أنه لا ينبغي لهم أن يكونوا هنا، لكن لنكن صريحين. لا يزال الوضع خطيراً هذه الأيام، ونحن بحاجة اليهم لحماية طلابنا». وأضاف «كما أن الكثير من الأفعال الفاضحة تمارس بين الصبية والفتيات في الحرم الجامعي، فمن سيقوم بمهمة المراقبة عند مغادرتهم؟».
جنود من الفرقة الاولى المدرع يؤكدون أن دورهم محصور في توفير الحماية فقط، وأنهم فوجئوا بالشعور المعادي من الطلاب تجاههم. محمد، وهو جندي من قوات الفرقة الأولى مدرع أكد أن المتظاهرين «يكذبون». وأضاف «ليس هناك جنود داخل الحرم الجامعي، عند البوابات فقط. نحن هنا لحمايتهم». ورأى أن «هؤلاء الذين يتظاهرون هم متسللون لديهم أجندتهم الخاصة، ويريدون إحداث الفوضى. إنهم يسيسون المسألة لأنهم اشتراكيون».
يرفض الطلاب هذا الكلام، مؤكدين أن الجنود يكونون في أماكن كثيرة في الحرم الجامعي لا عند البوابات فحسب. يتحدث الطلاب عن أنهم شاهدوا تدريبات للجنود ورصدوا حواجز عسكرية في المركز الأولمبي مع دبابات في داخله، إضافةً الى كتيبتين خلف كلية الزراعة. ثمة صور ومقاطع مصورة لجنود يتدربون داخل الجامعة تثبت صحة هذا الأمر.
في التظاهرة المناهضة لوجود القوات العسكرية ترفع والدة أحد الطلاب لافتة كتب عليها، «عاجل من جامعة صنعاء: عسكرة المؤسسة التعليمية بدأت». تقول الوالدة التي تعلو وجهها نظرات حازمة، إنها تحتج من أجل مستقبل اولادها. وتضيف «نعاني القمع والظلم من قبل الجيش – حتى المؤسسة التعليمية لم يدَعوها وشأنها».
الكثير من الطلاب اشتكوا من تعرض الجنود لهم بالضرب والاعتقال. يوم الأربعاء بتاريخ 26 أيلول 2012، تعرض ثلاثة طلاب للضرب والاعتقال على يد الفرقة الاولى مدرع. «اعتقلت وضربت من قبل الفرقة الاولى مدرع، واقتادوني إلى غرفة داخل الجامعة. أفلتوني بعدما كاد الطلاب يقتحمون المبنى»، قال هاني الجنيد، الطالب في السنة الرابعة في كلية الاداب.
اشتكى طلاب آخرون من شعورهم بالخوف من الجنود المتمركزين عند البوابة. أسمهان القدي (سنة أولى – كلية الزراعة) قالت «لأكثر من مرّة، تسبب الجنود بتأخيري على الأقل نصف ساعة عن صفوفي نتيجة استجوابهم المكثف وتفتيشهم لحقائبي. وعندما أصل الى الصف، لا يتفهم الاساتذة سبب تأخري».
اضافةً الى الانتهاكات المباشرة، يندد الطلاب بالتدخل العسكري في شؤون الطلاب. وقد تفاقم هذا التنديد عندما سُربت رسالة وجهها علي محسن الى رئيس جامعة صنعاء، يطلب فيها قبول أحد الطلاب وتجاوز الاجراءات الرسمية المخصصة للتسجيل. بالنسبة إلى الكثير من الطلاب، أظهر هذا الأمر حجم نفوذ علي محسن على ادارة الجامعة.
كذلك فإن اعتداء قواته ليس الأول من نوعه. خلال الانتفاضة، قامت قوات الفرقة الاولى مدرع بضرب واعتقال ناشطين مستقلين انتقدوا إما حزب الاصلاح السياسي (الحزب الأقوى في تحالف المعارضة) وإما الفرقة الاولى مدرع، وزجوا بهم في سجون سرية.
من أجل كل هذه الأسباب، يستمر المتظاهرون في الهتاف «باسم القلم باسم الدفتر... جامعتنا مش معسكر». اقترح الطلاب استبدال الجنود الذين ينفذون أوامر لوائهم بحراس تابعين لادارة الجامعة واتصلوا رسمياً بالمسؤولين، لكن حتى الآن لم يصدر أي رد.
السيطرة الأمنية على المؤسسات التعليمية ليست ظاهرة جديدة في اليمن. على مدى السنوات الثلاث والثلاثين الماضية، كانت سيطرة الشركات الأمنية على الجامعات منتشرة على نطاق واسع، لكن مطالبة الثورة بدولة مدنية اعطت أملاً بالانفصال عن النظام الأمني، إلّا أنه في الوقت عينه، احتلت الأجهزة العسكرية والأمنية عدداً من المدارس خلال الانتفاضة.
عن هذا الوضع يقول معتصم عبد السلام (سنة ثالثة جامعة) بسخرية «قبل الثورة كنا نطالب الشركات الامنية بمغادرة الحرم الجامعي، وكنا نأمل تحقيق ذلك عند بدء الثورة، لكن الوضع الآن أصبح أكثر سوءاً، لدينا جيش هنا».
على الرغم من مخاوف الطلاب وخيبة أملهم، يقول المحلل السياسي، محمد المقالح، «إن ثورة الطلاب لطرد الجيش من الحرم الجامعي هي الخطوة الاولى نحو استعادة الوعي الشعبي».