طرابلس | انتهت مبارزة الأحزاب في ليبيا باختيار شخصية مستقلة «نسبياً» لتولي مهمة رئاسة الوزراء بعد تنافس لم يشهد أي شراسة تُذكر. وعلى غرار ما حدث في الاختيار السابق لمصطفى ابو شاقور لتأليف حكومة جديدة، والذي لم ينجح في تقديم تشكيلة وزارية ترضي جميع التيارات والأحزاب، استقر البرلمان الليبي على اختيار السفير السابق علي زيدان لمنصب رئيس الوزراء. زيدان، عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، كان قد تقدم باستقالته في وقت سابق من المؤتمر بعد سحب الثقة من حكومة أبو شاقور، ليعلن بذلك رغبته في الترشح لرئاسة الحكومة، بعدما أبدت أربع شخصيات نياتها لتولي هذا المنصب: علي زيدان، ومحمد الهاشمي الحراري، وابراهيم الدباشي، وعبد الحميد النعيمي.
رئيس الحكومة الجديد المنتخب، هو أكاديمي ليبي سبق أن رشح نفسه لنفس المنصب، ولكن استقلاليته التامة حالت دون حصوله على عدد الاصوات المشترطة من قبل البرلمان «لتأهله» للفوز، في الوقت الذي قيل إن لجنة النزاهة والشفافية لم يتسن لها فحص ملف ابراهيم الدباشي الذي عمل دبلوماسيّاً في نظام العقيد ونائب مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، ليحول ذلك دون ترشحه، متناسين موقفه الذي يعتبره الليبيون تاريخيّاً ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ضاربين عرض الحائط بضغطه وسعيه في الأمم المتحدة لإصدار القرار 1970/1973 القاضي بحماية المدنيين في ليبيا.
زيدان يعد من أبرز وجوه ثورة 17 فبراير السياسية، حيث كُلف عقب اندلاع الانتفاضة في بنغازي والبيضاء، كمبعوث خاص للمجلس الوطني الانتقالي الليبي لدى أوروبا. أما وزير الحكم المحلي في حكومة عبد الرحيم الكيب الحالية محمد الهاشمي الحراري، فكان منافس الرئيس الجديد على هذا المنصب، لكن زيدان حسم الانتخابات لصالحه بـ93 صوتاً مقابل 85 صوتاً للحراري.
الجلسة النيابية هذه شهدت عدة مشادات من نواب مختلف المدن. ففي الوقت الذي استفسر عضو المؤتمر عن بنغازي، سليمان زوبي، حول إمكانية الحراري في القضاء على المركزية التي أصبحت هم الليبيين الشاغل اليوم، توتر عضو المؤتمر عن عين زارة بسبب السؤال، ووصف متعصباً عضو بنغازي بالجهوية، ليتدخل عضو المؤتمر نزار كعوان ويمنع عضو منطقة عين زارة من التمادي، ليحول بذلك دون وصول المشادة إلى حد الضرب.
لكن أكثر ما لفت نظر المتابعين لهذه الجلسة هو سؤال محمد مرغم، النائب عن كتلة «العدالة والبناء» ذات الغالبية الإخوانية، لزيدان عن علاقته بالكاتب الفرنسي برنارد هنري ليفي، ونظرته إلى حدود حقوق الشعب الفلسطيني. إلا أن زيدان رفض أي اتهامات ضمنية، وأوضح أن عمله الدبلوماسي يفرض عليه التواصل مع الكل.
وأضاف زيدان أن علاقة ليفي بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أجبرته على التواصل معه للقاء ساركوزي، مشدداً على دور ليفي البارز في الثورة الليبية، حيث أكد أنه لم يدخر جهداً لدعم الثورة، وساعد على جلب الأسلحة إلى مصراته والجبل الغربي، وكان حاضراً في أحلك الظروف يوم 19 آذار 2011 في بنغازي.
وفي السياق ذاته أكد أن أي سؤال عن القضية الفلسطينية هو انتقاص من شأنه، وأن القضية الفلسطينة تأتي بعد الإيمان والإسلام في أولوياته.
زيدان، الذي تنافس مع محمد المقريف على رئاسة المؤتمر الوطني، يُعتبر هو الآخر «خريج» مدرسة «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»، حيث قضى فيها 10 سنوات قبل أن يستقيل وينتقل للعمل في الوكالة الألمانية للتنمية البشرية.
وأمام زيدان أسبوعان لتأليف حكومة وفاق وطني. يأتي هذا في الوقت الذي تُشير فيه المصادر إلى أن أغلب القوى السياسية توافقت معه مسبقاً، وأنهم مستعدون للعمل معاً لإخراج ليبيا من أزمتها الراهنة.
ولأن الليبيين اعتادوا متابعة تغريد ساستهم الجُدد عبر «تويتر»، تابع عشرات الآلاف تغريدات علي زيدان التي أوضح فيها جملة من أولويات المرحلة، تتمثل في العمل مع كافة ألوان الطيف السياسي لخلق حكومة متجانسة، وأنهم سيتعاملون مع كافة الخبرات العالمية والعربية من أجل تطوير الكادر البشري. كذلك فإن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ستكون على رأس جدول أعمال وزارة الصحة، وسيعملون جاهدين للقضاء على المركزية، وأن الملف الأمني سيكون من أولويات الحكومة كما وحدة التراب الليبي، واعداً بعدم إغفال العنصر النسائي من التشكيلة، مروراً بمشاكل الطلبة الدارسين في الخارج.
جملة من الوعود أطلقها زيدان وعد بأنها سترى النور قريباً بعد منح الثقة لحكومته العتيدة، التي يتوقع أن يستفيد من أخطاء سلفه في اختيار تشكيلتها.