بات من الواضح أنّ رئيس الحكومة المقالة، اسماعيل هنية، يعدّ العدّة للظفر برئاسة المكتب السياسي للحركة خلفاً لخالد مشعل. تأكيده، أمس، على قراره السابق بمنح كافة صلاحياته لنائبه الدكتور زياد الظاظا، وزير الاقتصاد السابق، وإعلانه نيته التفرغ لشؤون الحركة والعمل التنظيمي في قطاع غزة، خير دليل على أنّه اتخذ قراراً لا رجعة فيه لخوض معركة نيل لقب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، لكن تبقى طريقه متعثرة، اذ يتعين عليه أن يتخطى عقبات معقدة للوصول الى غايته، ولا سيما أنه يستحيل عليه أن يجمع بين رئاستي الحكومة، وان كانت منزوعة الصلاحيات، والحركة.
ولم ينف هنية أو أيّ من قيادات الحركة في غزة التقارير التي تحدثت عن نيته الوصول الى رئاسة المكتب السياسي، بل كانت هناك تصريحات غير مسبوقة من القيادي البارز محمود الزهار، بأن ترؤس المكتب السياسي لا يعرف حدوداً جغرافية. ومن أبرز منافسي هنية على لقب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي الحالي، والذي يحظي بدعم كبير بين أوساط الحركة في الداخل والخارج.
وبحسب مصادر مطلعة في حكومة هنية، بات زياد الظاظا بموجب التكليف الجديد، يقوم بكافة المهام الرسمية للحكومة، بما في ذلك ترؤس الاجتماعات الأسبوعية للحكومة، وهو ما يمهد لانتقال هنية من رئاسة الحكومة، الى مرحلة جديدة.
ولعل ما شجع هنية على التفكير في ترشيح نفسه لقيادة «حماس»، هو الفوز الساحق الذي حققه أخيراً في انتخابات قيادة الحركة في غزة بحصوله على 85 في المئة من الأصوات، ما يتيح له الفرصة للتنافس على اعتلاء الهرم السياسي لـ«حماس»، إضافة إلى انسحاب خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي الحالي، من المنافسة على المنصب، وإعلان صالح العاروري، عضو المكتب السياسي في الضفة الغربية والذي يحظى بتشجيع ودعم خالد مشعل، عدم نيته للترشح لانتخابات المكتب السياسي. أحداث كانت بمثابة حافزاً لهنية، أكثر الشخصيات الحمساوية شهرة ورمزية داخلياً وخارجياً بعد مشعل.
ويرى مراقبون في غزة أن أمر خوض هنية تجربة ترؤس الحركة بات محسوماً، وأن تعيين نائب له بصلاحيات كاملة جاء لهذا السبب. لكنهم يستبعدون نجاحه في تحقيق غايته.
وقال الكاتب والمحلل السياسي من غزة، مصطفى إبراهيم لـ«الأخبار»، إنه من الواضح أن هنية يريد أن يصبح رئيساً للمكتب السياسي في الفترة المقبلة، لكن هناك ظروفاً تحول دون ذلك. أهم هذه الأسباب، بحسب إبراهيم، أن «حماس» تفضل أن يكون رئيس المكتب السياسي من خارج فلسطين؛ فالحركة لا تحبذ رئيساً من الداخل يمكن منعه من السفر أو اغتياله من قبل إسرائيل بسهولة، اضافة الى أن مهام رئيس المكتب السياسي معظمها دبلوماسية تتطلب حرية التنقل من بلد لآخر بسهولة ودون عوائق. وهذا الأمر لا ينطبق على هنية.
وأشار إبراهيم الى صعوبة انتخاب مجلس الشورى لهنية، لأن ذلك يتطلب استقالته من منصبه كرئيس وزراء، وهذا يعتبر مأزقاً سياسياً ودستورياً كبيراً لـ«حماس» التي تقول منذ سيطرتها على غزة إن هنية رئيس شرعي، لأنّه كُلف من قبل الرئيس محمود عباس، واستقالته تعني ضربة قاضية لشرعية «حماس» في غزة، بما أن أي تكليف جديد يجب أن يأتي من مكتب عباس في رام الله.
ويتميز نظام انتخاب قيادة الحركة في «حماس» عن باقي التنظيمات الفلسطينية؛ فالحركة تتحرى السرية التامة في عملية اختيار قيادتها. كما أن من يختار مسؤول المكتب السياسي وأعضاءه هو مجلس شورى الحركة، الذي لا يُعرف عدده أو هوية أعضائه الموزعين بالتساوي في الضفة وغزة وسجون الاحتلال، بالإضافة الى الخارج.
ولهذا السبب كان للكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف المقرب من حركة «حماس»، رأي مغاير لإبراهيم، واعتبر أن الحديث عن ترشيح هنية نفسه لرئاسة المكتب السياسي، لا قيمة له لأن مجلس الشورى هو من يختار من بين قيادات الحركة دون تقديم طلبات من قبل أعضاء المكتب السياسي للترشح.
وقال الصواف، الذي يشغل أيضاً منصب المدير العام في وزارة الإعلام التابعة لـ«حماس»، إن الانتخابات لا تجري بها منافسة أو ترشيح، مضيفاً أن مجلس الشورى يختار الأفضل والأجدر بالمنصب.
وعن موضوع تعيين هنية نائباً له بصلاحيات كاملة تمهيداً لرئاسة المكتب، أكد الصواف أن هنية رئيس للحركة في غزة، وهو أيضاً رئيس للوزراء، وتعيينه نائباً له لا يعتبر مؤشراً على نيته نيل منصب رئيس الحركة، ولكن جاء هذا القرار من باب توزيع المهام والأحمال، لأن الحكومة تتطلب جهداً كبير وكذلك قيادة الحركة في غزة.
مع ذلك، لم يستبعد الصواف احتمال فوز هنية بمنصب رئيس المكتب السياسي، كما لم يستبعد فوز أي شخصية أخرى من المكتب السياسي، مؤكداً أن الأمر في غاية السرية والتعقيد، وقد لا يعلن مجلس الشورى اسم الرئيس الجديد لدواع أمنية أو استراتيجية.

الحرب على القطاع: تهويل إسرائيلي هدفه انتخابي




رغم أن كل التصريحات الأخيرة لفصائل المقاومة أو لجيش الاحتلال، عقب التصعيد الاسرائيلي الأخير ضدّ غزّة، تدور حول احتمال شن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة، فإن من المستبعد أن يقع ذلك، مع أنّ التصعيد المتقطع يبقى وارداً

في أول ردّ فعلٍ لها على التصعيد الاسرائيلي الأخير ضدّ قطاع غزة، والذي استهدف سلفيي القطاع، بحيث أدى الى استشهاد خمسة نشطاء بينهم قائد للحركة السلفية، أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية أن هذا التصعيد مقدّمة لعملية واسعة النطاق ضدّ قطاع غزّة؛ تكهنٌ لم ينفه جيش الاحتلال، الذي هدّد على لسان قياداته بشنّ عملية عسكرية واسعة ضدّ القطاع إذا ما استمر إطلاق الصواريخ، الذي تبنّته بنحو أساسي في الفترة الأخيرة الحركات السلفية.
تصعيد لم تردّ فصائل المقاومة عليه بالصمت، لكن كان لها ردّ مباشر وغير مسبوق، بحيث ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، أن كتائب القسام أطلقت الأسبوع الماضي، ولأول مرة، صاروخاً مضاداً للطائرات ضدّ طائرة إسرائيلية، لكنه أخطأ هدفه. وقالت إنه توجد معلومات لدى إسرائيل منذ 6 سنوات عن وجود صواريخ مضادة للطائرات في حوزة «حماس» في القطاع، لكن الأسبوع الماضي تم التأكد من صحة هذه المعلومات. ورجّحت مصادر عسكرية إسرائيلية أن يكون هذا الصاروخ من طراز «ستريلا»، وصل إلى غزة من مخازن الأسلحة الليبية بعد سقوط نظام معمر القذافي. وادّعت الصحيفة أن 1000 صاروخ كهذا اختفت من المخازن الليبية، وبحثت قوات أميركية عنها ولم تعثر سوى على بضع مئات منها.
رغم أجواء الحرب هذه، فإنّ مراقبين استبعدوا أن يكون لدى سلطات الاحتلال نية في شنّ حرب واسعة ضدّ القطاع على غرار عدوان الرصاص المصهور ما بين عامي 2008 و2009، ورأوا أن التصعيد الأخير هدفه الأساسي سياسي وليس عسكرياً. مع ذلك، يؤكدون أن المشهد في القطاع سيبقى مرشحاً لتصعيد متقطع، من دون الوصول الى حرب إسرائيلية كاسحة.
وكان من أبرز ملامح هذا التصعيد اغتيال هشام السعيدني، الملقب بأبو وليد المقدسي، زعيم حركة «التوحيد والجهاد»، المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، والذي يعدّ ضربة قاسمة للتنظيمات السلفية في القطاع، والتي نشطت أخيراً في تحديها لإسرائيل من خلال إطلاق عشرات صواريخ الـ«غراد» على المناطق المتاخمة للقطاع. وكان السعيدني معتقل لدى أجهزة أمن «حماس» منذ عامين، قبل أن يطلق سراحه قبل شهرين، وهو أيضاً مطلوب من قبل أجهزة الأمن المصرية.
ورغم أن العملية الأخيرة كانت كبيرة بأهدافها، فإن المحلل السياسي مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، رأى أن ما جرى خلال هذا الأسبوع ما هو الا تصعيد روتيني. وقال لـ«الأخبار» إن «الاغتيال يعتبر عملية كبيرة وضربة قوية لفصائل المقاومة، خصوصاً السلفية منها»، لكنه أكد أن «هذا الاغتيال ليس الأكبر في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي شهد اغتيالات لقيادات كبيرة في فصائل مؤثرة مثل فتح وحماس».
ورأى أبو سعدة أن التصعيد الإسرائيلي المصحوب بردود فعل قوية من قبل الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة «حماس» وجناحها العسكري كتائب القسام، يأتي في إطار ما تسميه إسرائيل الحرب على الإرهاب في قطاع غزّة.
ولم يستبعد أن يكون لهذا العدوان الإسرائيلي الأخير مآرب سياسية واضحة، أهمها الانتخابات الاسرائيلية المقبلة، «التي ستكون الغلبة فيها لمن يضرب بيد من حديد كل من تطاول على أمن دولة إسرائيل». وأشار إلى أن توقيت العملية يؤكد هذه الرؤية، «فالانتخابات باتت على الأبواب، و(رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو يريد أن يوصل رسالة الى المجتمع الإسرائيلي مفادها أنه حامي الحمى الذي يستطيع أن يردع أي خطر قادم من غزة»، مؤكداً أن «غزة غالباً ما تكون كبش الفداء في كل صراع سياسي إسرائيلي خلال فترات الانتخابات».
وأوضح الخبير السياسي أن التصعيد «ممكن أن يزداد خلال الأيام المقبلة لإشعال حملة نتنياهو الانتخابية»، لكن من غير الوارد وقوع حرب شاملة، «لأن الحرب ليست في مصلحة إسرائيل في هذه المرحلة، نظراً إلى التغيرات الإقليمية في المنطقة بعد الربيع العربي، خصوصاً مع وصول الإخوان المسلمين الى سدّة الحكم في مصر».
إضافة الى ذلك، فإن الحرب الشاملة تعني القضاء على «حماس» أو على الأقل إضعافها، «وهذا ما لا تريده إسرائيل، لأنها المستفيد الأول والأخير من الانقسام الفلسطيني، كما أن القضاء على «حماس» يعني تسليم السلطة إلى فصيل آخر، على الأرجح الجهاد الإسلامي، وهذا لن يكون بتاتاً في صالح إسرائيل»، على حدّ تعبير أبو سعدة.
وتتمسك «حماس» وبعض فصائل المقاومة بهدنة هشة مع دولة الاحتلال منذ انتهاء الحرب على غزة في كانون الثاني 2009. وعادة ما تتدخل مصر وجهازها الاستخباري الراعي لهذه الهدنة لتهدئة الأوضاع بعد اندلاع أحداث عنف وخرق الهدنة، لكن هذه المرّة لم يصدر أي تصريح من الجانب المصري بشأن التصعيد الأخير، باستثناء ما نقل عن مكتب رئيس الحكومة في القطاع إسماعيل هنية، عن إجراء اتصالات مع الجانب المصري لهذا الغرض، وتأكيد الاستخبارات المصرية أنها تقوم بما يجب فعله.
ورأى البعض أن هذا قد يكون بسبب انشغال القيادة المصرية الجديدة بالمشاكل الكبيرة التي تحيط بمصر، وخصوصاً مشكلة الإرهاب على الحدود المصرية في سيناء. وقال المحلل السياسي الأكاديمي ناجي شراب، إن القيادة في مصر مشغولة بعدّة قضايا، أهمها محاربة الجماعات السلفية في سيناء، والتي باتت تمثّل خطراً واضحاً على الأمن القومي المصري، لذلك قد تكون مشغولة بعض الشيء عن قطاع غزة وما يدور فيه.
وأضاف شراب أن إسرائيل اتخذت قراراً بالحرب على غزّة، لكن هذا القرار لم يحن تنفيذه بعد، مستبعداً أن تقوم إسرائيل بشنّ حرب في الفترة الراهنة، لانشغالها بملفات أكثر حساسية، مثل إيران ومشروعها النووي.
وعن تصريحات بعض قيادات «حماس» بأن الهدف الأساسي للتصعيد الأخير جس نبض ردّ فعل القيادة المصرية الجديدة إذا ما هاجمت إسرائيل قطاع غزة، يقول شراب إن إسرائيل تأخذ بالحسبان ردّ الفعل المصري لأي عملية إسرائيلية في غزة، وخصوصاً بعد وصول الإخوان، لكنه أكد أن إسرائيل تاريخياً لا تأخذ في الاعتبار أي بعد أو تغيّر إقليمي إذا ما كان الأمر يتعلق بقضية أمنها وبقائها.